ظهر الثلاثاء الرابع من يوليو/ تموز2023، رحل عن دنيا الناس الدكتور أحمد الأصبحي السياسي النجم الذي أفل في زمن اليمن الكئيب بعد أن سطع في عقد الثمانينيات ولم يخفت بعدها أبداً.
تتبعت الأشهر الاخيرة من مرضه عبر المنشورات التي كان يكتبها الدكتور سعيد غليس استاذ التاريخ في جامعة صنعاء والقيادي في المؤتمر الشعبي العام، مجسداً وفاء قل نظيره هذه الأيام.
كان الراحل الكبير أهم من نظروا وأسسوا للحياة السياسية في الجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة.
تخرج كطبيب من جامعة بغداد عام 1974 وقبل ذلك كان قد قطع رحلة دراسة أخذته من شعب جعفر في عزلة الأصابح التابعة اليوم لمديرية الشمايتين- الحجرية في محافظة تعز، مروراً بمدينة عدن ثم إلى العاصمة القطرية الدوحة.
كان الدكتور أحمد الأصبحي مثالاً للرجل العصامي الذي نحت اسمه ودوره في بيئة سياسية شديدة الوعورة، وتتجاذبها إرادات المقاولين السياسيين المسلحين بكل الإمكانيات، وتفرض عليها الهيمنة الخارجيةُ معاييرَ صارمةً لا تسمح بأي انفراجة في أفق التفكير أو الطموح، ولا تقبل بأي استثمار فعال وإيجابي للنهوض باليمن.
هو بكل جدارة من الآباء الأكثر تأثيرا للمؤتمر الشعبي العام الذي حكم الجمهورية العربية اليمنية كتنظيم شمولي عزز السلطة الفردية لعلي عبد الله صالح وشغل الواجهة السياسية التي كانت الأحزاب الفعلية تنشط تحت سطحها.
بقي الدكتور الأصبحي المنظر الأبرز للمؤتمر الشعبي العام وكاتب سرديته، بدء من الميثاق الوطني مرورا بالبيانات الختامية، والرسائل السياسية للتنظيم، إلى جانب دور مشهود لزميله الراحل الأستاذ عبد السلام العنسي.
مكانته البارزة واجتهاده وعصاميته وضعته في مكانة بارزة في الجهاز التنفيذي للدولة بدء من رئاسة جامعة صنعاء مرورا بالمناصب الوزارية التي شملت الصحة والخارجية والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية، وفي كل منصب كان أستاذاً شديد المراس عظيم المهارة. ارتبط المؤتمر الشعبي العام بالدكتور أحمد الأصبحي وعبد السلام العنسي، كانا صوته ولسانه وواجهته، ولربما مثل الاعتداء عليه في 1993، من جانب المخبر الذي كان يمثل دور الحارس في مقر المؤتمر الشعبي العام في الحصبة، مؤشرا على رغبة مؤسس الحزب في إنهاء دور الرجل بعد أن تحول المؤتمر إلى حزب حاكم يتشارك السلطة مع الحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حتى تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990.
بعد حادثة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها اضطر الراحل الأصبحي إلى مغادر اليمن ليستقر في العاصمة الأردنية عمان، ويقض فترة استراحة قسرية تنقل خلالها بين عمان وبغداد مترددا على عائلة زوجته العراقية. استثمر تلك الفترة كعادته في الانشغال بالكتابة في كل صنوف المعرفة مؤكدا جدارته الشاملة كسياسي ومفكر وأديب، ألف العديد من الكتب وأنجز العديد من الأبحاث وانشغل في قضايا الصراع الإقليمي في القرن الإفريقي والسودان، ومنطقة البحيرات العظمى، موفراً مواداً قيمةً عن الأبعاد الجيوسياسية لتلك المناطق، وجذور الصراع والتأثير الديمغرافي العرب وامتداد هذا التأثير إلى الهضبة الإثيوبية وما بعدها.
وقد وجد متسعا لتحرير مذكرات رجل الأعمال البارز والقائد السياسي المناضل علي محمد سعيد.
عاد إلى اليمن عام 2002 ليتقلد مرة أخرى منصباً تنظيميا في المؤتمر الشعبي العام، إلى أن تم تعيينه في مجلس الشورى. وفي 2007 كانت بداية معرفتي المباشرة بالرجل في ذلك المجلس والتي استمرت حتى عام 2014.
ترافقنا في بعض الرحلات الخارجية وهناك تسنى لي التعرف عن شخصيته وتفكيره ومواقفه، وقد كان متخففاً من قيود العهد السابق الذي عاش فيه مثل بقية السياسيين رهن إرادة رئيس محكوم بهوس السلطة والتوجس وتقلب المزاج.
اللهم ارحم فقيدنا الكبير السياسي والمفكر والطبيب والوزير وتقبله في الصالحين.. خالص العزاء لأولاده وبناته وعائلته ومحبيه.
إنا لله وإنا إليه راجعون..