حتى كتابة هذا المقال يكون الحوثيين قد وجهوا أربع ضربات جوية بالصواريخ والطائرات المسيرة على فلسطين المحتلة، في جهد يلتحم في ظاهره مع معركة "طوفان الأقصى"، لكنه في حقيقته لا يعدو كونه دعائياً وفارغاً من أي تأثير ميداني بدليل أن أي من هذه الصواريخ والطائرات لم يصل إلى هدفه.
ومن المؤسف أن الانعكاسات الإيجابية في الوعي العربي، للتدخل العسكري من قبل جماعة الحوثي في معركة طوفان الأقصى، ستسهم في تبيض الصورة الملطخة بالدم لهذه الجماعة الطائفية التي ارتكبت جرائم بشعة جداً عطلت قوى الشعب اليمني الذي يزيد عدده عن 35 مليون إنسان، جميعهم يعتبرون قضية فلسطين قضيتهم الأولى ومعركتهم الأولى دون ادعاء أو توظيف شعاراتي.
هذه الجماعة استخدمت جزءا من الصواريخ والطائرات المسيرة في عملية ينظر إليها الشعب العربي على أنها بطولة وتضحية من أجل فلسطين، لكن الجزء الأكبر من الترسانة التي وضعتها إيران تحت تصرف هذه الجماعة تستخدم في الأصل ضد الشعب اليمني من أجل تكريس سلطة طائفية لا تعد إلا بالخراب والدمار والفشل للشعب اليمني والتحييد الكامل للشعب العربي المعني بالقضية الفلسطينية مبدئيا ومصيرياً.
لقد اختطف حزب الله لبنان بعد أن أعتبر كل مدنه طريقاً إجباريا للمرور باتجاه فلسطين، مع أنه يتموضع في تخوم فلسطين المحتلة ولا يحتاج إلى الطريق الطويل الذي سلكه عبر لبنان وعبر المدن السورية التي حولها إلى أطلال، لكي يصل إلى هدفه المزعوم، وكان نظام حافظ الأسد العلوي، يتكئ على ادعاءات قومية بنصرة القضية الفلسطينية، ومع ذلك كان شريكاً في إخراج القوات الفلسطينية من لبنان، بعد اجتياح بيروت من قبل الصهاينة، وأبقى جبهة الجولان في عهده كما في عهد ولده منطقة هادئة لا تلقي بحجر واحد باتجاه الأرض المحتلة من الجولان وفلسطين.
اليوم يؤسفني أن أخبركم أن ملايين اليمنيين المشردين في اصقاع الأرض، يتملك الحزن والغضب لأنهم فقدوا القدرة على عون أشقائهم في غزة، لأنهم يعانون مما يعانيه أهل غزة، فقد اضطروا إلى النزوح بسبب عدوان الميلشيا الذي تواطأت لإنجاحه قوى إقليمية ودولية، ويجدون صعوبة في العودة إلى وطنهم، لأن جريمة الحرب التي ارتكبت في بلدهم تؤدي إلى نفس النتيجة التي يسعى الصهاينة إلى تحقيقها جراء عدوانهم الغاشم والإرهابي على قطاع غزة والضفة الغربية.
دعوني أذكركم بأن اليمن كان أحد الملاذات المهمة للمقاومة الفلسطينية وأحد مصادر دعمها، وكان المعسكر الذي ينتمي إليه الحوثيون يضيق ذرعاً بالمساهمات الشعبية التي يقدمها الشعب اليمني لدعم القضية الفلسطينية، وكان دخول الحوثيين إلى صنعاء سبباً في تعطيل إمكانية دولة عربية بثقل ووزن اليمن عن القيام بدورها لصالح القضية الفلسطينية، على أن شعار "الموت لأمريكا وإسرائيل" لم يكن سوى ذريعة لتسويق المشروع الطائفي الذي يتحد مع الأهداف الصهيونية في ضرب القوة العربية الإسلامية الحقيقية وتعطيلها.
ودعني أذكركم أيضاً بأن جماعة الحوثي كانت هي الطرف الذي كُلف من قبل الثورة المضادة، بتقويض التغيير الديمقراطي في اليمن، وكانت هذه المهمة جزء من مهام أسندت لأطراف مختلفة في بلدان الربيع العربي للقضاء على السلطات الديمقراطية التي أنتجها هذا الربيع، ولم يكن ذلك إلا لأن الكيان الصهيوني ومن خلفه القوى الغربية التي تدعمه اليوم بسخاء منقطع النظير، يخشون من يقظة عربية لا يقوون عليها، ومن أنظمة تتكئ على دعم شعوبها، كما حدث في عهد الرئيس المصري المنتخب الشهيد محمد مرسي، فيما تولت إيران تحطيم الثورة السورية وهدم الحواضر السنية على رؤوس ساكنيها تماماً كما يفعل الآن الكيان الصهيوني في غزة.
لقد قررت إيران التنفيس عن الضغط الواقع عليها نتيجة تخاذل الساحات التي تديرها عن نصرة غزة، فقررت استخدام اليمن، نعم استخدام اليمن، في مهمة رفع الحرج عن الجبهة الرئيسية في جنوب لبنان والجولان، وأرسلت حشوداً شيعية على الحدود الأردنية لذات الغرض.
يتردد اسم اليمن مقترناً بالفخر على وقع معركة طوفان الأقصى المنصورة بإذن الله، لكن هذا بالنسبة لليمنيين له وقع سيء الأثر عليهم، لأن الذي يُوهِم العربَ والعالم بأنه ينصر غزة وينتصر للقضية الفلسطينية، في الحقيقة يمارس انتهازية فاضحة هدفها تعزيز مكانته المنبوذة وطنياً عبر هذه المشاركة الفارغة من المضمون وعديمة الجدوى.
لقد عبرت المدمرة الأمريكية "يو أس أس بارني" قبالة السواحل اليمنية في 19 أكتوبر دون أي ردة فعل مفترضة ضد جماعة الحوثي، خصوصاَ بعد أن أعلن البنتاجون أن هذه المدمرة اعترضت صواريخ ومسيرات حوثية، ربما كانت في طريقها إلى فلسطين المحتلة، وللأسف لا أحد يسأل نفسه، لماذا لم توجه هذه السفينة ضربات انتقامية لمصادر إطلاق هذه الصواريخ، وهي التي تمتلك كل البيانات ووسائل الرصد المتطورة التي تتعزز أيضاً بردارات القيادة المركزي للقوات الأمريكية في المنطقة.
ومع ذلك أعلم أن هذه المحاجة ربما ليست مقبولة في ظل حاجة معركة طوفان الأقصى إلى كل من يسندها، وفي ظل هذا التخاذل والتواطؤ وربما الإسناد للصهاينة من قبل الأنظمة العربية البائسة، لكن من قال إن الشعب العربي يعول على هذه الأنظمة أو يحترمها أو يلقي إليها بالاً قدر اعتماده على الله، وعلى وعيه الاستثنائي، خصوصاً في هذه المرحلة، وتحينه الفرصة لاستعادة قراره المختطف ووطنه المحتل من المستعمر الداخلي.