;
عزالدين الاصبحي
عزالدين الاصبحي

عاصفة غزة وجبر الكسور! 270

2023-11-08 08:18:02

ما يجرى من حولنا أكثر من مجرد صداما مسلحا، أو معركة عابرة، إنها محطة لصنع معالم جديدة في جسد المنطقة المنهك. وصار العالم بعد غزة غيره قبلها، ابتداءً من مفهومنا لمنظومة القيم الإنسانية وحقائق القانون الدولي التي ضُرب بها عرض الحائط، وانتهاءً بالاصطفاف الدولي والإقليمي، حيث صار العالم يتشكل بعد غزة من جديد، وسنرى الكثير من تغيرات المشهد إقليميا ودوليا خلال الأشهر اللاحقة.

ما يمكن وصفه بتغييرات استراتيجية على مستوى حضور القضية الفلسطينية برمتها، وخريطة الوجود والسيطرة الاستراتيجية على هذه الجغرافيا الأكثر أهمية في صراع المصالح الدولية، (وعن هذه النقاط هناك الكثير مما كُشف ومما لايزال يتكشف).

واليقين الراسخ لدى الناس أن كل هذا الحشد من حولنا لا يمكن أن يكون لأجل غزة ومحاربة حماس. فأمريكا بطاقمها الرئيسي، من رئيس الدولة إلى وزير دبلوماسيتها، إلى وزير حربها، تركوا بيتها الأبيض وجاءوا للمنطقة، وأوروبا نسيت أوكرانيتها، وحشدت كل خطابات الحروب المقدسة وأعادت بوصلتها صوب المشرق، فالأمر أكبر من معركة خاطفة، إلى اختطاف منطقة!

والصورة العامة مع ظهور تفاصيلها، تشتد قتامة لا بهاء، والوجع يسري في كل الأمة.

لا شيء غير غضب الشارع الذي لا يجد متنفسا له، فيلجأ لأناشيد الزمن القديم، والسير بشوارع مكتظة لتحطيم المقاهي وواجهات المحلات، وقادة العالم ينتظرون فرج الله!.

shape3

محطة صعبة تشبه بعض سابقاتها، في تاريخ منطقة لها مع الأوجاع قصة عمر حزين، مثل ضربة حزيران ١٩٦٧، واجتياح بيروت ١٩٨٢، وغزو الكويت ١٩٩٠ بتداعيات حرب الخليج الأولى والثانية. وها هي حرب غزة تنضم للقائمة، فلا اسم للكارثة التي تعم المنطقة العربية كلها الآن غير حرب غزة!. حتى نعثر على مسمى!

وفي كل ما سبق خرجت الأمة العربية تعاني شروخا وانقساما موجعا من حزيران سيناء، إلى حزيران بيروت، وحتى أغسطس الكويت، ما عاد الجسد العربي واحداً يتداعى بالسهر والحمى إذا أصاب عضو فيه مكروه! انتشر فيه الوجع بكل مفاصله حيث غدى صوت الأنين نشيد الوحدة الباقية! .

ورغم ما نقول عن الأمل وأنه (هو الخيط الذي يخرجنا من حفرة الموت، نحو فضاء الحياة بدونه نبقى في تلك الحفرة).

لكن الحفرة زاد عمقها مع خيبات الزمن المتكررة!

وشاخت فينا أمور كثيرة، وهرمت فينا الجبال والبحار والأحزاب، وما رحل عنا العابرون وثقلاء الظل، وما كانوا للرحيل أوفياء، رغم إنًا لنسيانهم مخلصون. ونحن أخلصنا للنسيان لكن لا أحد يرحل غير الطيبين والبسطاء وأبناء السبيل، أما الغزاة العابرون فبقوا طواغيت على صدور الناس.

ورغم أنه لا صداقات بين الحكومات، كون الزمن علمنا أن كل ما بينها عداوات مؤجلة، إلا في هذا المكان الملغوم بمشاحنات العشائر منذ غدر جساس وكليب والزير سالم وحكايات الجليلة وأبو ليلى المهلهل، إلى عواصف التحالفات التي لا تنتهي وليس آخرها عاصفة غزة.

وها نحن عثرنا على مسمى أقرب لما يجرى كونه عاصفة، فلنقل عن الخراب القائم (عاصفة غزة). فما يجرى في هذا القطاع تتجاوز آثاره رقعته الجغرافية المحدودة، ليصل إلى قارات أخرى مشكلا على ما يبدو مرحلة تاريخية جديدة، ستكون اسمها ما بعد عاصفة غزة.

غزة التي تضيق بساكنيها ووجعها ويريد الكيان الإسرائيلي أن يحيلها ركاما دون ذاكرة. ولكنها جزء من أرض مباركة، يخرج من بين مفاصل صخرها أطفال، هم كبار هذه الأمة.

سندرك أن النصيحة هي ألا نترك العاصفة تعصف بما تبقى منا، ولا نقف في منطقة الحيرة واللا قرار، فتلك مهلكة لا حكمة، يقول ذلك التاريخ المخضب بالوجع لا نحن. لكنّا أوفياء للنسيان والعناد وثارات القبيلة، فننشغل بصغار أمورنا، ونجد التاريخ مر مقهورا بيننا، وكان له أن يمضي متوجا بالمجد إذا أعطينا للعقل فرصته. لكنا لا نعمل بالنصيحة في وقتها، بل ندركها بعد فوات الأوان، وتلك عادة أصيلة متوارثة منذ سيل العرم إلى عاصفة الصحراء، فنسمى ما يحدث لنا مأزقا سياسيا لا كارثة، فلا نخرج منه إلا لمتاهة جديدة أشد وأنكى.

فنحن لا نقدِّر الوصايا إلا بقدوم خريف العمر، وندرك حينها أنه يصعب تصحيح الأخطاء مثلما يستحيل جبر الكسور.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد