من أكثر ما يثير الاهتمام في ظل العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، هو حضور اليمن في هذه الحرب، كطرف منخرط بقوة في مجرياتها عبر الصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون على فلسطين المحتلة؛ وتعترضها في الغالب المضادات الجوية الإسرائيلية وبعضها يسقط قبل أن يصل هدفه.
منذ أن سيطر الحوثيون على صنعاء وعلى معظم الجزء الشمالي من اليمن وعلى قطاع واسع من الساحل اليمني على البحر الأحمر، انخرطوا في ما يسمى "حلف الساحات" الذي تقوده وتتحكم بأجندته إيران بشكل مطلق، ويضم طيفا من المليشيات الشيعية والحكومات التابعة في العراق ولبنان وسوريا.
وفي حين يتردد في الإعلام اسم الحوثيين مع كل وجبة صاروخية أو استهداف بالطائرات المسيرة لفلسطين المحتلة، فإن الصدى المباشر لهذه العمليات يضع اليمن في طليعة الاهتمام العالمي، ويختلط الأمر على الجميع تقريبا، إذ يتملّكهم الارتياح تجاه ما يفعله اليمن لنصرة فلسطين.
وعلى الرغم من أن الصواريخ التي يطلقها الحوثيون أو تطلق باسمهم، ترتبط هذه المرة بأهداف أكثر أخلاقية، فإن معركة طوفان الأقصى، تكاد تتحول إلى حصان طروادة يحاول الحوثيون من خلاله إعادة تمرير مشروعهم السياسي في اليمن، بعد أن فشلوا في تمريره من خلال الحرب والمؤامرات والتواطؤ الإقليمي والدولي.
ولعله من المنطقي الإشارة هنا إلى المكاسب الفورية لمشروع الحوثيين السياسي في اليمن نتيجة الصواريخ التي يطلقونها باتجاه فلسطين المحتلة، وأملهم أن يضفي عليهم الانخراطُ في معركة طوفان الأقصى شرعية استثنائية لسلطة الأمر الواقع التي أسسوها في شمال اليمن، ويكرس ادعاءهم بأنهم يمثلون السلطة الوطنية في مقابل سلطة شرعية مرتهنة وغائبة عن ممارسة نفوذ حقيقي على الأرض، مما يشجعها أكثر على المضي في مشروعها الانقلابي إلى نهايته بعيدا عن الترتيبات التي تقوم بها الأمم المتحدة والجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب.
وليس مستبعدا أن تعزز صواريخ الحوثيين من موقفهم التفاوضي أمام خصومهم اليمنيين وأمام المملكة العربية السعودية، وتحررهم من تداعيات التفاهمات الإيرانية السعودية برعاية صينية والتي تمت في العاشر من آذار/ مارس الماضي، وتمنحهم القدرة على المناورة، ومعاودة استهداف السعودية للحصول على المزيد من المكاسب السياسية والاستراتيجية، إذ سيبدو ذلك أسهل بكثير من استهداف الكيان الصهيوني الذي يتمتع بحصانة قوية.
لقد باشر الحوثيون على الفور في استثمار معركة طوفان الأقصى داخليا، من خلال تحشيد المقاتلين الجدد، تحت شعار دعم معركة تحرير الأقصى، وفرضوا إتاوات جديدة، وفرضوا زيادة سعرية على أسعار المشتقات النفطية، والأكثر استفزازا تبني خطاب إعلامي يروج لفكرة أن الحوثيين، فيما يسعون حثيثا لتجديد الهجمات العسكرية على خصومهم، يتعمدون تبني مزاعم مفادها أن الأمريكيين والإسرائيليين سيوعزون لخصوم الحوثيين بتحريك الجبهات، كما لو كان هذا التحرك بمثابة إشغال للحوثيين عن المعركة المقدسة في فلسطين.
للأسف كان الحوثيون البادئ في إشعال الجبهات في اليمن، وخصوصا في غرب مأرب حيث نفذوا هجوما عسكريا نجمت عنه مواجهات سقط فيها العشرات من المقاتلين من الجانبين، في خضم انشغال اليمنيين بكل وجدانهم بالعدوان الغاشم الذي ينفذه الكيان الصهيوني على قطاع غزة، وأملهم في أن ينتهي هذا العدوان بنصر للفلسطينيين على عدوهم.
المعارك على جبهة مأرب شكلت امتدادا متقطعا لهجمات قام بها الحوثيون خلال الفترة الماضية على الحدود الجنوبية للمملكة في إطار مساعي الجماعة لإعادة فرض الخيارات الحوثية على طاولة المفاوضات مع المملكة، وسط الاختلاط الواضح في الدور السعودي بين الانخراط في قيادة الحرب وممارسة دور الوساطة في آن معا، والرغبة في تكريس دور الوساطة التي يستغلها الحوثيون للوصول إلى أقصى ما يطرحونه على الطاولة من مطالبهم ويسعون إلى تحقيقه من أهداف على المستوى الميداني.
ليس لدي أدنى شك في أن معركة طوفان الأقصى ستلقي بظلالها على الأزمة والحرب في اليمن وعلى فرص اللاعبين الخارجيين والداخليين في توجيه مسار الأزمة تأسيسا على النتائج التي ستسفر عنها معركة طوفان الأقصى، إذ من المتوقع أن تفضي إلى تحولات ذات تأثير في أدوار وفرص الأطراف الإقليمية والمحلية المؤثرة في الساحة اليمنية، على أن التداعيات اللافتة هي تلك التي تتولد عن الرحلة التي تقطعها هذه الصواريخ في أجواء الدول المطلة على البحر الأحمر وخصوصا المملكة العربية السعودية ومصر.
أقول ذلك لأن بعض هذه الصواريخ والطائرات المسيرة سقطت في الاراضي المصرية، وبعضها يتم اعتراضها في الأجواء السعودية، إلى حد باتت فيه هذه الصواريخ سببا ثمينا في قيام تنسيق متقدم لهذه الدول مع الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى أن هذا التنسيق يضع بين يدي هذه الدول ميزة الاستفادة من تغطية الرادارات الأمريكية المتطورة لرصد الصواريخ والطائرات والتعامل معها على تعدد الأهداف المستقبلية لهذه الصواريخ والطائرات؛ سواء استهدفت الكيان الصهيوني أو دولا في الإقليمي على علاقة وثيقة بالأمريكان والصهاينة على حد سواء.
وحتى الآن لا يبدو أن هناك تهديدات جدية للهجمات الحوثية على الكيان الصهيوني، ولا تتوفر دلائل قوية على أن الحوثيين يمكن أن يدفعوا ثمنا فوريا لتدخلهم العسكري في معركة طوفان الأقصى، أو أن مركزهم العسكري سيتأثر في الساحة اليمنية نتيجة إجراءات قد تتخذها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وذلك يعود إلى أن الحوثيين كانوا ولا يزالون جزءا من الأولويات الأمريكية ومساعيها لإنهاء الحرب في اليمن، وتمكينهم أحد أهداف هذه المساعي.
وأقصى ما يمكن قوله في هذه المرحلة هو إن الصواريخ الحوثية ساهمت في إبقاء جنوب البحر الأحمر تحت الرقابة العسكرية الصارمة للولايات المتحدة وحليفها الصهيوني، والأمر لا يتعلق بالصواريخ التي تطلق باتجاه الشمال بل بإمكانية تطوير الانخراط الحوثي إلى عمليات موجهة ضد النشاط الملاحي في البحر الأحمر.
* عربي 21