نصّ مشروع قرار القمة العربية الإسلامية:
أولا: طرد جميع السفراء الإسرائيليين وسحب جميع السفراء من فلسطين المحتلة.
ثانيا: منع تصدير النفط والغاز للعدو الصهيوني وأمريكا وكل الدول الداعمة للاحتلال.
ثالثا: منع التعامل مع أي شركات، أو مؤسسات تابعة، أو داعمة للاحتلال. رابعا: الاعتراف بأن المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس جماعات مقاومة لا إرهابية.
خامسا: إدخال قوافل إغاثية عاجلة إلى القطاع تحت حماية قوات مشتركة من الدول العربية والإسلامية، من خلال معبر رفح الواقع تحت السيادة المصرية، باعتبار أن غزة ليست خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وإنما هو شأن مصري فلسطيني. قطعا ليس هناك وجودا لهذه القرارات، سوى في أمنياتنا وأحلامنا، التي دأبت أو دأبنا على أن تذهب أدراج الرياح، مع كل قمة عربية أو إسلامية مخيبة للآمال، مع أن كل هذه المطالب بوسع الدول العربية والإسلامية أن تقوم بها، فلم نطالبهم بإعلان الحرب وتسيير الجيوش، إنما فقط بواقع عملي يزيل عن القمم الصورة التي نحتت، في أنها في كل مرة لا تقدم ولا تؤخر، وإنما هي اجتماعات صورية اضطرارية لتسكين الرأي العام، وإعطاء انطباع بأنها تتحرك على أرض الواقع.
من أمثال العرب السائرة «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا» والجعجعة هي صوت الرحا، والطحن هو الدقيق، يقول الأصمعي في معنى هذا المثل: «أي: أسمع جلبة ولا أرى عملا ينفع». فما أشبه ما تنطوي عليه قرارات القمة العربية الإسلامية التي عقدت بعد أسبوعين من إطلاق الدعوة إليها بوصف أنها «طارئة» عندما نتداول هذا الوصف فلا يمكن إلا أن نشير إلى أنه أمر مداه الزمني يومان أو ثلاثة أيام، لا أسبوعين.
البعض تجاوز هذا الموعد طويل الأجل، وأبدى تفاؤله في أن القمة سوف تخرج علينا بقرارات مفصلية في الحرب الحالية على قطاع غزة.
من باب الإنصاف، أقول إن اللهجة أو النبرة كانت ساخنة جدا، وأعتقد أنها أتت بمستوى غير مسبوق في سخونة كلماتها، بالتأكيد على إدانة جرائم الاحتلال والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وعدم تجاوزها في تحقيق معادلة السلام في الشرق الأوسط، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتحرير أراضيه، لكنها مع ذلك لا ترقى لمستوى الحدث الجلل.
مع الأسف وبالنظر في القرارات المنبثقة عن القمة، نجد أنها لم تراوح مربع «الجعجعة بلا طحن» فنحن أمام 31 قرارا، جاءت بصيغ إدانة، استنكارا، رفض، نطالب، ندعو، التأكيد على.. فخلت من قرارات عملية تتم على أرض الواقع. القمة تطالب بأمور كثيرة جيدة، لكن تطالب من؟
تطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من المنظمات والمؤسسات التي يتحكم فيها الغرب، الذي يبارك العدوان الإسرائيلي؟
أم أنها تطالب جيش الاحتلال الذي يتبع سياسة الأرض المحروقة في حربه على القطاع؟ على الرغم من أن كسر الحصار وإمداد القطاع بالإغاثات قد تم التأكيد عليه خلال القمة، إلا أن هذه الدول لم تبين كيف ستكسر الحصار، وحتى أن أفلحت في إيصال المعونات والإغاثات، أهذا كل شيء؟ نطعم أهل غزة فقط ليموتوا وهم شبعى؟
نرسل المياه إلى أهل غزة فقط ليموتوا وهم مرتوون؟ نرسل الأجهزة الطبية للجرحى فقط من أجل أن يموتوا أصحاء؟ أهذا كل شيء؟
مما يؤسف له، أن هذه القمة المخيبة للآمال، تزامنت مع انكشاف أكذوبة القوة الإسرائيلية، بعد أن كشفت المقاومة بإمكاناتها المتواضعة، أن جيش الاحتلال واهٍ عسكريا واستخباراتيا، ليس كما يروج له.
وتزامنت كذلك مع سقوط القناع عن الحليف الأمريكي، الذي كان يقف في تصريحاته من قبل إزاء القضية الفلسطينية موقفا يرفع الحرج على الأقل عن حلفائه العرب، فكانت التصريحات الأمريكية مبنية على شعارات العمل من أجل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن الولايات المتحدة اليوم كشفت عن وجهها الحقيقي، وأيدت الاحتلال في مجازره البشعة ضد القطاع، وتبنت الرواية الإسرائيلية بشكل فج، ودعمت وما زالت العدو الصهيوني بآلات الحرب وجنرالاتها، وتسانده في المحافل الدولية، فأوقعت الحلفاء العرب في حرج شديد.
وتزامنت أيضا مع هذا الحراك العالمي غير المسبوق، من مواقف رسمية غير عربية وغير رسمية تعبر عن البعد الإنساني والقيمي، كالموقف المشرف لرئيس كولومبيا، الذي هاجم الكيان الإسرائيلي ووصفه بالنازية، وأعلن تعليق العلاقات الخارجية مع الكيان الصهيوني، وكذلك الحراك الجماهيري في الدول الأوروبية والتظاهرات الحاشدة في دول العالم التي بانت لها ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع القضية الفلسطينية.
كل هذه العوامل وأكثر، تضع الأنظمة العربية والإسلامية في حرج، في أن غيرها يتحرك وهي تصر على عدم مغادرة مربع الشجب والاستنكار. سيظل هذا حال القمم العربية والإسلامية الصورية، التي لا تغير واقعا على خريطة المنطقة، طالما أن كل ممثل دولة يجلس إلى الآخر، وكلاهما يتصرف بمنطق أحادي، وشعور أحادي، ورؤية مصالحية أحادية، كل منهم يخشى أن يكون ضحية البطش الأمريكي، كل منهم يخشى أن يتورط في تهمة إعلان حرب ينفض عنه فيها الجميع.
عدم اجتماع القمم العربية والإسلامية على مدى عقود على أمر جدي يغير واقعنا، هو نتيجة طبيعة للتشرذم والمعاداة والنفاق السياسي بين هذه الدول، ولذلك حتى الآن لا يوجد تكتل عربي أو إسلامي يستحق وصف التكتل على غرار الاتحاد الأوروبي، رغم كثرة الدواعي وكثرة المشتركات التي يتم التلاقي عليها.
غزة وأهل فلسطين لا يعولون بالطبع على انعقاد أي قمة عربية أو إسلامية، بل يعرفون نتائجها مسبقا، لكن جاءت هذه القمة الأخيرة لتؤكد أن أهل غزة سيدافعون عن أرضهم وحدهم بلا دعم خارجي، لكن الحذر كل الحذر من زيادة الوحشة واتساع الهوة بين الأنظمة والجماهير الغاضبة من أجل هذا الصمت والضعف تجاه الحرب على غزة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.