سادت فكرة المناكفات بين القوى السياسية اليمنية، واتسعت رقعة الخصومات البينية، وحرفت بوصلة الجماهير عن القضايا الأساسية والمصيرية، ودمرت أواصر المجتمع والقواعد الأخلاقية، ولعبت الحملات الإعلامية دورا كبيرا في تأجيج الخلافات وزيادة جرع التحريض، لغرض إبراز طرف ما وتحقير آخر، رغم أنها لن تستطيع إثبات نزاهتها، بالإضافة إلى كون بعضها أدوات تنفيذية لقوى خارجية، لإضعاف الجميع وتحويل تركيزهم إلى رغبة الانتقام بدل رغبة البناء والتنمية.
قد يحاول طرف سياسي إزالة أو كبت الآخر لتخلو له الساحة، وهذه خيبة وغباء سياسي، فلا أحد يستطيع إلغاء الآخر أو إزالته لأن كل طرف يعبر عن جمهوره الخاص وقناعاتهم، ومن الممكن إسكات طرف ما، لكنه لا يستطيع إلغاءه، حتى لو تم شيطنته واتخاذ إجراءات قاسية بحقه فلن ينتهي، والكبت والقهر ومصادرة الحريات تنعكس سلبا على أمن واستقرار البلد، لأنها تبني المزيد من الإصرار على الانتقام.
فما تحسن إجادته الأطراف السياسية اليمنية هي المنافسات الإسقاطية فقط، وكل طرف يقلل من أعمال الآخر ويعرقلها حتى لا يتحقق إنجاز يحمده الناس ويشعر الآخر بالفشل والهزيمة أمام جمهوره، لأنهم يعتقدون أن أي إنجاز لطرف يشكل هزيمة للطرف الآخر، والحرب على الإنجازات مستعرة بينهم، فأي طرف غير قادر على تحقيق إنجاز فإن عليه أن يصر على إفشال الآخر، فالفاشل يصر على فشله، ويستمر فيه حتى لو دمر البلاد والعباد، وغير قادر على الإنجاز يصر على إفشال منافسيه، وهذا عمل قبيح أدى إلى تدهور الأوضاع في البلاد ككل.
لماذا لا تدخل المناكفات في موضوع المنافسات لإنجازية، ومحاولة كل طرف إثبات تميزه وحسن أدائه عبر تحقيق إنجازات توضح نهجه وسلوكه وطرق أدائه، والتنافس في مجالات الاكتشاف والاختراع والتحسين والتطوير، ولن يقوم بهذا إلا أصحاب قوة أخلاقية رفيعة، ذوو انتماء وطني عالي والتزام أخلاقي وعلمي راقي، فمثل هؤلاء من يملكون رؤى لتقدم مجتمعهم ووطنهم.
المناكفات السياسية قضت على شكل الدولة، ودمرت الجيش والاقتصاد، ومكنت قوى خارجية من الهيمنة على الوطن وموارده وقراره السيادي، حتى وإن كابر الخائبون وزوروا الحقائق لكي يبدو عظماء وأصحاب إنجازات مميزة بالكذب والتضليل، فهم عبارة عن مرضى نفسيين ليس لديهم أي قدرات أخلاقية أو منطقية، هم أسرى شهواتهم ورغباتهم في إزالة الآخرين حتى ولو كان الثمن هلاك شعب وتدمير وطن ومقدراته.
لقد أهلكوا بالمناكفات حتى قدرات الفراد العقلية والمنطقية وأفرغوا طاقاته الإبداعية، وانشغلوا في أعمال المؤامرات والغدر، وتطورت لديهم نفسية منحطة تمتهن الانحرافات وتبعدهم عن طريق الخير والبناء، فبدل توظيف الطاقات في معالجة الهموم العامة، وتحقيق الإنجازات وأحلام وتطلعات الشعب، تحولوا إلى عاهات ثقيلة على المجتمع وعلى الثقافة العامة، وإذا سادت المناكفات في مجتمع حتما سيفشل، وستلحق به الهزائم في مختلف مجالات الحياة.
لا أعتقد أن قواعد المناكفة التي تتبعها القوى اليمنية مع بعضها البعض توجد في إي بلد في العالم، ولن تنتهي مثل هذه المناكفات إلا بانتهاء العمر الافتراضي لمسببيها من بعض القائمين على تلك القوى، ومن العار استمرار التهور السياسي خصوصا في هذا المنعطف الخطير، فالجميع بأمس الحاجة إلي للملمة الجراح، وتصويب السهام نحو الهدف الرئيسي المتمثل في القضاء على مليشيا السلالة الفارسية وتحرير اليمن، فهل القوى السياسية لديها الاستعداد للقضاء على ظاهرة المناكفات؟ إن فعلت فإنها تعجل بزوال المليشيا الإيرانية إلى الأبد.