تفوق أخلاقي وانتصار حضاري لأبطال غزة ولا يمتلك الأخلاق إلا المتصل بالخالق، فما وثقته الصور لحظة تسليم الرهائن من قبل عناصر المقاومة الفلسطينية، ستترك أثرا في نفوس البشرية أجمع، قدم الغزاويون دروسا وهم محقون فيها مهما كان رأي العالم فيهم، فإنهم سيبقون أصحاب مثل وقيم عظيمة.
لفت انتباهي إصرار مذيع إسرائيلي عند حواراته مع الرهائن المفرج عنهم من غزة محاولا إثبات أي انتهاك من رجال المقاومة بحق الرهائن، لكن الرد كان صادما من كل رهينة إسرائيلية بشهاداتهم أن المقاومة عاملوهم بأفضل معاملة ولم يتعرضوا للإهانة ولم يواجهوا أي عنف أو أذى، تحدثوا أنهم أثروهم على أنفسهم بالطعام والشراب ووفروا لهم الدواء رغم الحصار شحت الإمكانيات، يقول ابن أسيرة إسرائيلية إن والدته في الثمانينيات من عمرها ومريضه ولم يناسبها أي دواء في إسرائيل ولكن حماس عندما كانت رهينة لديهم قيموا مرضها ووفروا لها الدواء المناسب، وعادت بصحة أفضل مما كانت عليه في السابق، ويقول عدد من الرهائن: "لم نتوقع أن حماس سيعاملوننا هكذا، لذا نرفع لهم القبعات" ويتمنون لجيشهم أن يتعلموا من احترام وإنسانية وأخلاق المقاومة في غزة، مجندات إسرائيليات يخرجن من صفقة التبادل من غزة وهن غارقات في طوفان العاطفة والحب للمقاومة وفلسطين بغضن أهاليهن بأغنية "أنا دمي فلسطيني" في مشهد يشير إلى عظمة ما زرعه الآسر في قلب الأسير، والأدهى من ذلك بعد خمسين يوما من الأكاذيب والتشويه الإسرائيلي ضد حماس، تفرج المقاومة عن رهينة إسرائيلية ومعها كلبها بصحة جيدة، فمن حافظ على الرهينة وكلبها على قيد الحياة طيلة هذه الفترة هل سيقتل أطفال ونساء؟!
في صفقات التبادل بين حماس وإسرائيل تسائل غربيين من أين أتى الاحتلال العنصري بأطفال ونساء فلسطين الذين تم ويتم التبادل بهم مقابل الرهائن لدى حماس؟
وهل الفلسطينيون رهائن لدى الاحتلال أم سجناء ومعتقلون؟ وهل كانوا يقبعون في زنازين الاحتلال قبل سبعة أكتوبر؟ تساؤلات أثارت فضول الكثير من المشاهير المؤثرين في أمريكا ودول أروبا، وبعد بحثا عميقا لهم اكتشفوا أن إسرائيل تخطف الأطفال والنساء بشكل يومي وأن حوالي خمسة آلاف سجين فلسطيني يقبعون في زنازين الاحتلال دون أي تهمة، ناهيك عن أكثر من اثنا عشر ألف معتقلا فلسطينيا تم محاكمتهم بمحاكم عسكرية إسرائيلية من بينهم 170 طفلا لا يتجاوز أعمارهم ١٢ عاما سجنوا لسنوات وسرقت منهم طفولتهم دون أي ذنب يقترفونه، والأدهى والأمر من ذلك احتجاز إسرائيل السجناء الفلسطينيين حتى يقضوا مدة عقوبتهم كاملة حتى لو ماتوا، فحوالي 398 قتيلا فلسطينيا، منهم 142 من المعتقلين معظمهم شباب جثثهم في الثلاجات كعقاب جماعي وتعذيب نفسي لعائلاتهم، ومع ذلك فإن وسائل الإعلام الغربية لن تظهر لك هذا أبدا أو تسلط الضوء على الهمجية الحقيقية للاحتلال النازي.
طريقة الغرب في الاهتمام بالشعوب أن تكون الحقوق تتوافق مع القوة والثروة، ولذلك لم يحظى الفلسطينيون في العقود الماضية بأي اهتمام دولي لأنهم ليس لديهم الثروة ولا السلطة لذا ليس لديهم حقوق حتى وإن حصلوا على بيانات الدعم، لكن لا حد سيفعل لهم شيئا، خاصة عندما تهدد أمريكا أي شخص قد يحاول القيام بشيء ما تجاههم.
الغرب شريك في جرائم إسرائيل بإغلاق أفواههم على مدى عقود طالما أن الفلسطينيين يموتون خارج عدسات الكاميرات، لكن ما بعد سبعة أكتوبر وثورة السوشال ميديا، رأى العالم الوضع المرعب ومجازر الإبادة الجماعية في غزة، وشاهدوا حجم الحقد والجرم الإسرائيلي النازي، فمئات العائلات تم حذفها من السجل المدني، والبنية التحتية دمرت بشكل كامل، وتم القضاء على كل وسائل الحياة، بسبب العنف الشرير الصهيوني الذي لم يقبله أو يتسامح معه أي إنسان في العالم، ظهر الفلسطينيين في الوضع الأشد ضعفا أمام شاشات الجوال، ولا يمكن لهذا الشعب حتى أن يحزنوا بسلام، فتغيرت نظرة الشعوب الغربية تجاه القضية الفلسطينية وإلى الأبد، وخسرت إسرائيل علاقاتها والتعاطف معها، وأشعلت غزة نار الحرية، وهذه النار ستلف العالم كله ولن تحرر المقاومة في غزة فلسطين وحدها بل سيحررون العالم كله أيضا فلشعب فلسطين الحق في الحياة والحصول على دولتهم المستقلة.
أخيرا: لماذا سبعة أكتوبر... لأن هؤلاء الشباب ولدو في معسكر الاعتقال، ولدو في واحد من أكثر الإمكان كثافة سكانية على وجه الأرض اثنين مليون شخص محاصرون في بضع كيلوها مقيدين في أكلهم وشربهم وكهربائهما ووقودهم ودوائهم وكل شؤون حياتهم، لن يتمكنوا أبدا من الذهاب إلى أي مكان وفعل أي شيء منذ عقود طويلة، ٧٠ % منهم لاجئون طردوا من أراضيهم عام ١٩٤٨م، و٧٠ % من شباب غزة ليس لهم وظائف ولا مستقبل ولا شيء، لم يعطوا فرصة للحياة وأصبحوا بلا أمل وبلا جدوى لذا كان سبعة أكتوبر هو أيقونة التحرير والحرية، وحولوا المأساة المروعة إلى نداء أيقظ شعوب العالم، وفرضوا على الغرب إذا أرادوا أن يفكروا بأنفسهم واستقرار أنظمتهم يجب عليهم بشكل جماعي تنفيذ أول خطوة حاسمة نحو السلام وهي تدمير نظام الفصل العنصري كما حدث في جنوب أفريقيا في القرن الماضي.