;
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان

الارتداد السحيق 520

2023-12-10 08:34:53

المؤسف أننا غارقون في امتداح الماضي، وفينا من يستهويه التنقيب في قمامات ذلك الماضي، امتداح يقزم من أحلامنا، واستهواء يعيد إنتاج صراعاتنا، مما يجعلنا ماضويين، فاقدين القدرة على أن نكن فاعلين في الحاضر، لنصيغ مسار المستقبل، ونبني دعائم ذلك المستقبل وفق المتغيرات والمشتركات التي تعطي مساحة واسعة للتعاون والبناء المشترك.

حملنا هم التغيير ورفعنا راية الوطن الكبير، واصطدمنا بمعوقات غلبتنا، واستسلمنا للفشل، وتراجعنا للخلف، على أمل أن يكون تراجعا حميدا، يعيد ترتيب الانطلاق الأفضل للمستقبل، وإذا به تراجعا خبيثا أعادنا لماضي مقيت، وارتداد سحيق عن كل ما أنجزناه وحققناه، ارتداد انهارت فيه قيمنا المتجذرة، ومبادئنا الأصيلة، وتصدر مشهد الارتداد كل ما هو وضيع وجاهل ومتهور، فتصدعنا وأحدثت تصدعاتنا شروخا، تسللت منها كل سموم العالم المتخلف، وكل فيروسات التعصب، وكل بلاوي وقذارة الماضي الرث، وكل الفاسدين واللصوص والطامعين والمتسللين، وإذا بالثقافة تنهار والأخلاق تتدهور، والنظرة المستقبلية تغيب، وعدنا لعصبيات ما قبل الدولة، وما قبل الثورات التحررية الكبرى، فقدنا إنسانيتنا وروحنا الوطنية، وعدنا باحثين في تراكمات الماضي وقماماته ما يبرر كل هذا الارتداد، التي تماهى معه البعض، واليوم يصرخا ألما من نتائجه، ارتداد سحيق لتطلعاتنا، لمستوى أدنى مما كنا نتصور، للمناطقية والطائفية، التي ضاقت حلقاتها لمستوى القرية والأسر الأرستقراطية الإقطاعية، وعادوا بنا لنفتش في شهادات الميلاد، والأصل والفصل.

أخطر ما في هذا السقوط هو تغييب ثقافة الاختلاف، الذي أدى لشخصنة الأمور، وافرز أسوأ ما فينا من كره وحقد وتشفي، تفننا في شتم واتهام وتخوين بعضنا بعض، بسقوط أخلاقي غير مسبوق، مخطط لإسقاط أمة عريقة، «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت… فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا» .

الاختلاف بحد ذاته وعي وثقافة، بل هو علم في أمزجة الأفراد النفسية والعقلية، في الفروق الفردية لتصور الوجود، وقد أثبتت الدراسات (السيكولوجية والاجتماعية) أن القدرات العقلية للفرد لا يمكنها أن تتطور إلا مع الآخر المُختلف، أي في ظل التدافع المعرفي والجدال العلمي، بوصفه الأفضل للتطور الذهني والثقافي.

الاختلاف هو حالة حيوية للمجتمع تدعم الحرك الفكري فيه، ولا يمكن فهمه أو وصفه غير أنه نتاج للعقل وتفاوت قدراته واختلاف نظرته للحياة، ولهذا يحتاج الخلاف لمستوى وعي عالي، يثري المجتمع، ويبحث عن المشتركات التي تعطي مساحة أكبر للتوافق والاتفاق.

معاركنا العبثية التي نعيشها، هي معارك اختلاف مع جاهل ومتخلف ومتهور، مع الشطط والنطط العبثي، مع لا وعي ولا إدراك ولا منطق، فكان اختلافا عبثيا، تحول لنقمة، تنطع فيه فحش الكلام، وردأة التعامل ، وشخصنة الأمور، وتعزيز الصراعات والفرقة والشتات، وتبرز الاتهامات والتخوين، لتتفوق ثقافة الاستبداد، التي قد تصل لتدمير روح المختلف معنويا وروحيا، ولتشار إليه أصابع الاتهام، ويمكن تحليل دمه وعرضه وكل ما يملك، كما نلاحظ اليوم، سجون تكتظ بالرأي المختلف، تكتظ بدعاة التغيير والتجديد والتنوير، والسجان جاهل مثخن بالعصبية بعقل أجوف، وعبد للماضي والصنم .

ولهذا تحكمنا اليوم أصنام صنعها لنا الأوصياء، أرادونا الارتهان بها، لنكن مرتهنون لهم وعبيد لأصنامهم، فلا يغرنك كلام المزايدة باسم وطن وقضية، تموت فيها الإنسانية والحرية والمواطنة، وتعود بنا لعهد العبودية، ولله في خلقه شؤون.

* يمن مونيتور

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد