تدرك إيران جيدا رضا أمريكا تجاه سياستها وتعاملها المعادي لجيرانها، والرضـا الأمــريكي يأتي لأغـراض متعددة، ومنها ابتزاز دول المنطقة، والتذرع لنشر أساطيلها خدمة للنزعة الاستعمارية، ودعما للكيان الصهيوني.
ملالي طهران من جهتهم؛ لا يمانعون من لعب هذا الدور لأهدافهم الذاتية أولا، وتقربا من الإدارة الأمريكية سعيا لتجاوز دائرة التخادم، إلى مستوى تطبيع علاقات أكثر تفاهما وأوسع تعاونا، بل لا يشك مراقب في أن إيران لا تتردد في السعي للوصول بالعلاقة إلى ما كان عليه الأمر أيام الشاه.
ليس خافيا على أحد ما قدمته إيــران من تعاون معلوماتي واستخباراتي للأمريكان في حرب الأخيرة ضد أفغانستان، ولا أحد يجهل الموقف الذي وقفته إيران ضد العراق في تقديم خدماتها المتعددة لصالح الإدارة الأمريكية في غزوها للعراق، وهو الأمر الذي لم تنسه الإدارة الأمريكية لملالي طهران حيث أطلقت يد إيران في العراق، بل وفي المنطقة، وتحت سواتر الشيطان الأكبر، أو الموت لأمريكا.
وببساطة؛ فإن العيش والملح الذي كان راسخا بين واشنطن وطهران أيام الشاه قد تواصل في أيام الخميني؛ وخاصة أيام كان- هذا- يسمي أمريكا الشيطان الأكبر، حيث استنجد الخميني بالكيان الصهيوني في أن يلعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن لعقد صفقة سلاح من الشيطان الأكبر للخميني، في الحرب ضد العراق، وهي الصفقة التي عرفت بفضيحة ووتر جيت. فعقدت صفقة لتزويد إيران بالسلاح لحاجتها الملحة والمتزايدة، وكان منها 4000 صاروخ من نوع تاو مضاد للدروع، وذلك في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بعد أن كان جورج بوش نائب الرئيس الأمريكي حينذاك قد التقى وأبو الحسن بني صدر رئيس الوزراء الإيراني بحضور أحد قادة المخابرات الصهيونية (الموساد) الذي تولى إتمام الصفقة ونقل تلك الأسلحة عبر الكيان الصهيوني إلى إيران ...!!
اليوم إيران جت تعود تحت غطاء البحر الأحمر جيت، فكواليس القنوات الدبلوماسية الإيرانية مع واشنطن يحافظ عليها مـــلالي طهــــــران، وما استعصى عليهم فلا مانع من الاستعانة بالموساد، وليأخذ كل مسار طريقه؛ فقواعد الاشتبــاك التي ترسمهــا واشنطن لمحسوبيهـا تحــدد الكيفية والمساحة، والأدوات المستخدمة. وتضع الخطوط الحمراء أمام أي حكومة شرعية تريد أن ترسخ حضورها واستعادة مؤسساتها، وتقف بكل ثقلها ضد القضية الفلسطينية دعما للكيان الدخيل.
الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع مناورات البحر الأحمر جيت صرحت بأنها إنما توجه بذلك رسائل واضحة لإيران ...!!
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا توجه رسائلها مباشرة للملالي في طهران؟
إن اليمنيين يعرفون جيدا الأكمة وما وراءها، ويعرفون الجهات والأطراف التي تقف ضد الشعب اليمني سواء تلك التي وقفت ضد تحرير الحديدة، أو حالت دون تقدم الجيش تجاه صنعاء، أو التي تنتهك السيادة اليمنية اليوم بحجة البحر الأحمر جيت.
ويعلم اليمنيون تمام العلم أن الإدارة الأمريكية وبريطانيا أن هذا الانتهاك المدان للسيادة اليمنية، الذي جرى يوم 12 يناير الحالي ليس الانتهاك الأول منهما لهذا البلد، وإنما هو مستمر بالدعم والتواطؤ لكل ما يضر بالجمهورية اليمنية منذ 21 سبتمبر 2014 مرورا بمحادثات ستوكهولم، ومنع تحرير الحديدة، وفتح مطار صنعاء ميناء الحديدة، بينما تتواطأن لاستمرار حصار تعز وعدم فتح الطرق، ناهيك عن الوقوف ضد تقدم الجيش الوطني تجاه صنعاء وقد كان على مشارف أرحب.
إن ما جرى في البحر الأحمر إنما تريد من ورائه بريطانيا وأمريكا تعزيز السيطرة في البحر الأحمر، وعلى السواحل اليمنية، واليمنيون يعلمون أن أول عمل للإدارة الأمريكية الحالية بعد تسلمها السلطة كان أنها سارعت لشطب جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب!
وجاء تصريح طهران المتبجح من أن البحر الأحمر منطقة نفوذ إيرانية، وتحدثت الأخبار عن قوات بحرية إيرانية تنتشر في المنطقة، وأن مدمرة إيرانية عبرت في اليوم الأول من العام الجديد، مع قطع حربية أخرى مضيق باب المندب؛ لتكون جنبا إلى جنب مع قوات الشيطان الأكبر- كما تسميهم طهران كما تسميهم علنا، وتتخادم معه من تحت الطاولة!!
نستطيع القول، بلا أدنى شك إننا أمام إيران جيت جديدة، وبمسمى البحر الأحمر جيت !!؟
هي كذلك بلا ريب.