الوحش يقتل ثائراً والأرض تنبت ألف ثائر
يا كبرياء الجرح لو متنا لحاربت المقابر
في ظلال شمس مغيبة تنسج خيوطها الأخيرة على أرض عانقت دموع الوداع، وقف الطفل الصغير أمام قبر يحتضن جثمان والده الشهيد، كان المشهد مهيباً، حيث احتشد الناس ليشهدوا لحظات الوداع الأخيرة لبطل أروى بدمه تراب الوطن، والأنظار كلها كانت معلقة بهذا الطفل الذي، رغم صغر سنه، بدا كأنه يحمل على عاتقه ثقل اللحظة بكل ما تحمله من معان.
لم يجد الطفل، الذي بدا كشبل فقد أسده، طريقة لوداع أبيه سوى بالتحية العسكرية، تلك التحية التي كان يؤديها الأب بكل فخر أمام سارية العلم الجمهوري، كانت اللحظة عميقة ومؤثرة، فقد بدا كأن الطفل يودع أباه قائلاً: "وداعاً يا أبي، والعهد باقٍ والميثاق ستحمله الأجيال القادمة".
كانت تلك التحية أكثر من مجرد وداعا؛ فهي تعهد من طفل لأبيه بأن يحمل إرثه ويستمر في الدفاع عن القيم التي ناضل من أجلها، "وداعاً بتحيتك التي ناضلت من أجلها، وداعاً أيها المسجى بتربة الوطن"، كانت كلمات غير مسموعة لكنها عبرت عن مشاعر الطفل وكل من حضر، فتلك التربة التي أصبحت الآن مستقراً لأحد أبطالها، ستبقى شاهدة على التضحية العظيمة التي قدمها.
"وداعاً وستحيا الجمهورية وستبقى للأبد"، هكذا أراد الطفل أن يختم وداعه، معبراً عن إيمانه بأن دماء والده لم تذهب هدراً وأن الجمهورية التي ناضل من أجلها ستظل قائمة ومحافظة على مبادئها وقيمها إلى الأبد، كانت اللحظة شهادة على أن الشهداء قد يرحلون جسدياً لكن ذكراهم وإرثهم يظل حياً، يلهم الأجيال القادمة ويشعل في قلوبهم نار الحرية والكرامة.
في تلك اللحظة، لم يكن الطفل يودع أباه فحسب، بل كان يجدد العهد على حمل المشعل، متعهداً بأن يظل وفياً للقيم التي ضحى من أجلها الأب وكل شهيد من أجل الوطن، ومع كل غروب وشروق، ستظل قصة الشهيد والطفل الواعد شاهدة على أن الوطن يبقى حياً في قلوب أبنائه، الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على عهده وميثاقه.
الصورة لنجل الشهيد مجاهد الحاج رحمه الله