"التمسك بالسلام" الذي خرج به الخبر الإعلامي عن لقاء الأخ رئيس مجلس القيادة الرئاسي مع قيادات هيئات الدولة المختلفة يوم أمس لا ينقل المشهد السياسي في الوعي المجتمعي الحائر قيد أنملة عما كان قد استقر عليه في ذلك الوعي منذ زمن.
كان المشهد قد استقر على أنه متعثر برفض الحوثي لعملية السلام، وهو ما أدخل المجتمع في حالة من الإرباك والإحباط، وإثارة أكثر من سؤال حول كيفية الخروج من هذا المأزق الذي يتنازعه موقفان: أحدهما يدعو للسلام والآخر متمسكا بالحرب.
وفي حين أن الذي يدعو للسلام هو اليمن بأكمله بدولته وأحزابه ومنظماته المدنية والاجتماعية والشعبية، وأن المتمسك بالحرب هي المليشيات الحوثية التي انقلبت على الدولة بقوة السلاح، فلا بد أن معادلة الحرب والسلام هنا تحمل من المجاهيل ما يتطلب إعادة صياغتها من منظور لا يترك أمام "اليمن كله" من خيار سوى إكساب السلام مفهوماً لا يتوقف به عند مجرد الرغبة التي تنتظر موقف الطرف الآخر منه، بل باعتباره خيار الضرورة لإنفاذ البلاد من هذه الجماعة المغامرة والطائشة.
وخيار الضرورة يعني فيما يعنيه أن يكون السلام هو المعادل الموضوعي للقوة التي ستفرضه لإنفاذ البلاد وتحرير الإرادة الوطنية لتقول كلمتها بشأن المستقبل.
من هنا لا بد أن هذا الاجتماع قد أدرك ما تعنيه عملية السلام ومتطلباتها بعد كل هذا الرغي الذي غرق فيه المشهد السياسي خلال الفترة الماضية، ولا بد أن مكونات نتائجه قد تجاوزت ذلك الخبر الإعلامي، لا سيما أن الحوثي، محمولا بأضلاف إيرانية، أصبح يقدم نفسه كفاعل في معادلة إقليمية تتحرك نحو المجهول ومعها قضية اليمن التي لا يجوز أن تبقى رهينة هذا المجهول.
إن ما تناقلته الأنباء خلال اليومين الماضيين عن توظيف إيران والحوثي المشاغبات المصطنعة في البحر الأحمر وخليج عدن لإحداث اختراقات في الموقف الدولي تجاه اليمن مستفيدين من العلاقات الدولية المتوترة على أكثر من صعيد، وذلك بعقد صفقات مع دولتين عظميين يسمح لهما الإبحار بسلام في البحر الأحمر إنما ينبئ بتعقيدات قادمة لا يمكن مواجهتها إلا بجعل السلام خياراً وحيداً أمام الحوثي لا يستطيع أن يتجنبه.
إن دور المجتمع في هذه العملية التاريخية لا يمكن إغفاله، لذلك يجب أن يخرج المشهد السياسي من حفرة السلام المفقود التي حُشر بها إلى ساحة أوسع تكون فيها الخيارات قادرة على إشراك المجتمع في معادلة الحل.