ما الذي أنزله الله وأشهره في ليلة القدر؟
سؤال بسيط معضل للبعض.
هذا سؤال يسأله المسلمون في شهر رمضان من كل عام، باحثين عن إجابته، منذ بدأ عصر التدوين وحتى اليوم، والجواب موجودا في كتاب دينهم المسطور والمحفوظ القرآن.
مشهد الخلق وختام الوحي والإنزال بالقول الحق.
خلق الله الإنسان وميزه عن سائر مخلوقاته بتسويته، ونفخه لجزء من روحه وأوامره التي هي العلم والمعرفة بقوانين تنظيم الوجود الكوني والإنساني، وبهذا التكريم والنفخة أختار الله الإنسان، وجعله خليفة في الأرض، ليؤدي دوره الاستخلافي والعبادي واستعمارها، وأمر الله الملائكة وإبليس بالسجود له.
يقول سبحانه:
﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة ٣٠]
﴿هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَكُمۡ خَلَـٰۤىِٕفَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَیۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَلَا یَزِیدُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ كُفۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ إِلَّا مَقۡتࣰاۖ وَلَا یَزِیدُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ كُفۡرُهُمۡ إِلَّا خَسَارࣰا﴾ [فاطر ٣٩]
﴿فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ﴾ [الحجر ٢٩].
﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦۤۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّیَّتَهُۥۤ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِی وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِینَ بَدَلࣰا﴾ [الكهف ٥٠]
فسجد الملائكة أجمعون، وفسق إبليس الذي كان من الجن برفضه السجود، حسدا من تمييز الله للطين على النار، وبقراره هذا أغفل التسوية ونفخة الروح، فأسس لمبدأين ينتهجهما الكثير من الناس.
الأول "القراءة الخاطئة" التي تأخذ جزءا من المشهد وتغفل كل المشهد.
والثاني "العنصرية" المستندة على تفضيل خيرية الميلاد والنشأة فقط.
فكان بهذا أبو القراءة الخاطئة والعنصرية، وتوعد بإضلال أبناء آدم، وأنه سيتربص لهم في صراط الله المستقيم، ليقودهم لتبديل دين الله وقوله الحق، بدين الوهم والظن والضلال، وللكفر والشرك به سبحانه، بهدف إخراجهم من رحمة الله كما خرج هو بقراءته الخاطئة وعنصريته.
لكن الله تكفل بهدي عباده من الناس، ليحميهم من غواية الشيطان وعدائه لهم، وأنزل لكل قرية وقوم رسول ونبي منهم، وأرسل نذر ومبشرين، وأنزل وأشهر مع كل واحد منهم، دينه الحق بأوامر هديه وعبادته، ووصاياه وتشريعاته المنظمة لحياتهم وتطورهم، عبر ملل متتابعة، ومرافقة لتطور الإنسان بداية من قوله سبحانه "ولا تقربا هذه الشجرة" حتى قوله سبحانه "فصّل لكم ما حرّم عليكم" الذي أتى بميعاد إتمام وكمال دين الله، المرافق لميعاد اكتمال تطور الإنسانية بكل شعوبها وقبائلها، لتتعارف وتصبح قرية عالمية واحدة، وكان هذا الميقات هو اختيار الله لمحمد عليه الصلاة والسلام، ليكون خاتم رسله وأنبيائه، وأنزل معه الوحي الخاتم لدينه الإسلام، والذي به أكمل الله وأتم دينه الإسلام، ولهذا كان الرسول والنبي محمد أول الناس، الذين آمنوا بدين الله الكامل التام، ولهذا أمره الله أن يقول بأنه أول المسلمين، لأنه أول من آمن من الناس بدين الله الإسلام الكامل والتام، وهو شرف وتشريف لم يسبق لرسول ونبي قبله، أن آمن بالإسلام التام والكامل، يقول سبحانه:
﴿ قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ * قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ)﴾ [الأنعام ١٦١- ١٦٣]
وبهذا الكمال والإتمام، أشهر الله هذا الدين الكامل التام، المحفوظ بكتاب وحيه القرآن، في ليلة القدر من شهر رمضان، والتي اختارها الله لهذه المناسبة العظيمة، لإشهار وإنزال الدين الكامل التام، فكانت خيراً من ألف أشهر سبقها، من إشهارات رسالة الإسلام المرافقة لتطور الإنسان.
فليلة القدر ميزها الله، بإنزال كتاب وحي الله، لدينه الكامل التام، والذي حوى وجمع كل الأوامر من رب العالمين في كل رسالاته الذي تنزلت بها الملائكة والروح، أي قوانينه المنظمة للوجود الكوني والإنساني، من يوم الخلق ليوم الحق، وهو هداية ونور للناس لإخراجهم من الظلمات للنور، وهو دليل ومنهج، لحياة الإنسان في الدنيا والآخرة، واستخلافه واستعماره للأرض.
لقد حدد الله ببيان وتبيان وتفصيل بأنه سبحانه أنزل كتاب دينه الكامل التام القرآن، وأشهره في ليلة مباركة أسماها ليلة القدر، في شهر رمضان المبارك.
الخلل والنكبة.
ونكبة الأمة أنها هجرت وتركت القرآن، وتركت تدبره والعمل به، واستعاضت عنه بآراء الأهواء والظن والضلال المخالفة لقول الله الحق، بينما هو كتاب الوحي الحق، الذي به دين الله الكامل والتام، وهو الدليل والمنهج لحياتها، والدليل والمنهج لمعرفة قوانين الوجود، وبالقرآن وحده وإشهاره، شَرُفَتْ هذه الليلة المباركة، وشرف الشهر الكريم، لكنها هجرته، وذهبت تبحث عن مآثر رويت عن هذه الليلة، ولا أساس لها في كتاب دين الله، يقول سبحانه:
﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورࣰا﴾ [الفرقان ٣٠]
وبهذه القراءة الخاطئة، خارج كتاب الله، هجرت الأمة وأضاعت كتاب الوحي، وأسقطت نهجه ومنهجه من حياتها، وضاعت منها دلالة الليلة الحقيقية، التي هي إنزال القرآن العظيم، فضاعت الأمة وتاهت، تبحث كل عام في شهر رمضان عن ليلة القدر، وعن ما يميز هذه الليلة المباركة، وما تبحث عنه محفوظ مسطور بكتاب الله وهو موجود في يدها، فخرجت عن طريق الهداية الحقة، والاستخلاف، واستعمار الأرض، والشهادة على الناس، ولم تعد فاعلة في الوجود، بل مفعول بها، غائبة عن وجودها، تائهة في دهاليز الأوهام والظنون، والتي أوصلتها لفقد الفاعلية القرآنية، والفاعلية الإيمانية، والاستخلاف، واستعمار الأرض، والشهادة على الناس، فخرجت عن الدور والريادة وهذا هو حالها الذي نشهده.
فهل يتدبر الناس قوله سبحانه:
١-هذا كتاب الله الذي أنزله ينطق بالحق.
﴿وَلَقَدۡ یَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرࣲ﴾ [القمر ١٧]
﴿أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَیۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِیهِ ٱخۡتِلَـٰفࣰا كَثِیرࣰا﴾ [النساء ٨٢]
﴿أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَاۤ﴾ [محمد ٢٤]
﴿….ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ ….﴾ [المائدة ٣]
﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ وَبَیِّنَـٰتࣲ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ …..﴾ [البقرة ١٨٥]
﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَـٰهُ فِی لَیۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾ [القدر ١]
﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَـٰهُ فِی لَیۡلَةࣲ مُّبَـٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِینَ﴾ [الدخان ٣]
﴿وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ مُبَارَكࣱ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُوا۟ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [الأنعام ١٥٥]
﴿وَكَذَ ٰلِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ حُكۡمًا عَرَبِیࣰّاۚ وَلَىِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا وَاقࣲ﴾ [الرعد ٣٧]
﴿الۤرۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾ [إبراهيم ١]
﴿وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَـٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا مُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا﴾ [الإسراء ١٠٥]
﴿وَكَذَ ٰلِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ وَأَنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یُرِیدُ﴾ [الحج ١٦]
﴿كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ مُبَـٰرَكࣱ لِّیَدَّبَّرُوۤا۟ ءَایَـٰتِهِۦ وَلِیَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [ص ٢٩]
﴿وَهَـٰذَا ذِكۡرࣱ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَـٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء ٥٠]
٢- وهذا توجيه وأمر الله لنبيه.
﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ﴾ [الأنعام ١١٦]
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا﴾ [الأحزاب ١]
﴿فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورࣰا﴾ [الإنسان ٢٤]
﴿فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِینَ﴾ [القلم ٨]
﴿ثُمَّ جَعَلۡنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِیعَةࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [الجاثية ١٨]
٣- وهذا توجيه وأمر الله للمؤمنين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱدۡخُلُوا۟ فِی ٱلسِّلۡمِ كَاۤفَّةࣰ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ﴾ [البقرة ٢٠٨]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَاۤءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَۚ إِن یَكُنۡ غَنِیًّا أَوۡ فَقِیرࣰا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلۡهَوَىٰۤ أَن تَعۡدِلُوا۟ۚ وَإِن تَلۡوُۥۤا۟ أَوۡ تُعۡرِضُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا﴾ [النساء ١٣٥]
﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَ ٰطِی مُسۡتَقِیمࣰا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِیلِهِۦۚ ذَ ٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام ١٥٣]
﴿ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَۗ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف ٣]
خلاصة القول.
الله هو الحقّ، وقوله الحق، وقوله فوق كل قول، ولا شريك له في دينه وقوله، ولم يفرط الله بكتابه من شيء، ففيه بيان، وتبيان، وتفسير، وتوضيح، وتفصيل، لكتاب دينه الحق.