حبا وتقديرا ووفاءً وامتنانا أقيمت مجالس عزاء فقيد الأمة والجمهورية الشيخ العالم العلم عبدالمجيد الزنداني في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية، وحيث الجاليات المسلمة في الغرب والشرق أيضا أقيمت له مجالس عزاءٍ، وهبّت برقيات العزاء تترى رسمية وغير رسمية من الخاصة والعامة تُعبِّر عن حالة من الحزن تعجز عن حملها الصدور والسطور.
على ثرى مأرب العتيقة والعتيدة، وبحضور عدد من أبناء الشيخ وأحفاده الكرام، يتقدمهم نجله الشيخ البهيُّ الأبي الشيخ (علي) أقيم مجلس عزاء للشيخ الماجد الرباني عبدالمجيد الزنداني، لم يكن مجرد مجلس عزاء وإنما مهرجان وداع اتسم بالضخامة والهيبة، حضره العام والخاص من كل المكونات السياسية والاجتماعية والفكرية والقبلية والدعوية.
حضور ملفت لسلطات الدولة في مأرب يتقدمهم عضو مجلس القيادة الرئاسي محافظ محافظة مأرب اللواء سلطان العرادة.
حضور مُشَرِف لأبناء مأرب على اختلاف انتماءاتهم وتكويناتهم يؤكدون نبل مكارمهم وعظيم سجاياهم.
قيادة القوات المسلحة والأمن كان حضورهم أكثر إشراقا، يتقدمهم رئيس هيئة الأركان، غير أن حضورا باهرا لأبطال القوات المسلحة قادةً وضباطا وأفرادا انسكبوا من كل جبل وهرعوا من كل سهل وتناوبوا مع زملائهم على حضور العزاء والمرابطة، رجال الأمن البواسل تلألأ بهم المقام فكانوا نجوما وشُهبا حطت على الأرض المباركة يحفظون الأمن ويُقدمون أنموذجا فريدا لحفظ النظام والأمن بما يليق مع جلالة الحدث.
فرسان الإعلام قنوات وأفرادا ونشطاء وسائل تواصل، توزعوا كأقمارٍ في فضاء رحب يرفل ببذخ الحضور ينقلون صدق الصورة وفخامة الحدث ويبثون شروقا معجزا متجددا بعد المغيب.
في طريقي إلى مجلس عزاء الشيخ وكنت أحسُبني من المُبكرين بحلول الساعة الثانية ظهرا ودرجة الحرارة في أقصاها، أجد من يسبقني ويصحبني معه وهو أحد كبار الدعاة من شيوخ السلفية الحقّة (الشيخ أحمد السماوي (أبو عبدالعزيز) رئيس مؤسسة التآلف الخيرية والذي بنى مسجد أويس القرني أحد مفاخر العمارة الإسلامية والذي طعمه بالطراز السبئي، وحين سؤاله لماذا التبكير يا شيخ؟ فبعد ثنائه العطر في حق الشيخ الزنداني ودعائه السخي له قال: عجلتُ وأخرتُ تناول طعام الغداء لنقدم واجب العزاء ونفسح المجال للآخرين.
لم يكن مُخيم العزاء المهيب في مأرب والساحة المحيطة به إلا محطة عبور لامُقامٍ لوفود لاتنقطعُ من المُعزين، فقد اطّت الأرض وحق لها أن تئط فكل شبرٍ فيها يحمل قلبا ينبض بالوجع والحب والدعاء لراحلٍ رباني استمد منه صدق الولاء والانتماء للملة والأمة والدولة.
لقد كرس الشيخ عمره داعيةً ومناضلا جمهوريا وعالما ربانيا قارع علماء المشرق والمغرب بالحجة والبرهان كاشفا شبهاتهم حول الدين والتوحيد، وبعد رحيله كانت مجالس العزاء بما تحمله من نخب كاشفة لشبهات المتقولين ومُبددة لزيف اتهامات المبطلين، لم يكن ذلك الزخم الجماهيري والعربي والإسلامي والإنساني الذي واكب رحيل الشيخ الزنداني إلا ضياءً مزق ليل الأفاكين وأسقط زيف الخراصين.
أخير: لإن أقيم مجلس عزاءٍ للشيخ الزنداني في صنعاء لأدرك العالَم أن صنعاء لاتزال حاضرة الجمهورية ومركزها، وان من يحتلها إنما هم طارئون وغبارا عالقا فيها ستذروه الرياح.