تصور أن أسفه السفهاء، وأقبح المقذعين سبا وشتما، وقفوا على شاطئ البحر الزاخر، يتبارون في شتمه، ويتنافسون في سبه، بكل ما يمتلكون من مفردات، وألفاظ قاموس البــــذاءة، والبذاذة والدناءة؛ فهل ستتوقف أمواج البحر وحركته؟ هل سيجف ماؤه؟ هل سيتغير لونه؟ هل ستهجره أسماكه؟ هل ستتغير زرقته، وجمال شواطئه؟
هل يتصور - حتى- معتوه أن يتوقف البحر ليسمع شتائم هذا أو سباب ذاك، وأولئك؟ أبدا.
للبحر رسالة، أودعها الله فيه للحياة، كل الحياة، ولذلك هو لا يلتفت لغير رسالته، وأداء مهمته، فيما يكون السب والشتم، وكأنما هو نأمة في واد، أو نفخة في رماد، فالزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس هو ما يمكث في الأرض.
عبر تاريخ الإنسانية لم يسلم الرسل والأنبياء، ومن بعدهم كل المصلحين، والعلــماء والكــبراء؛ علما وفكـرا وسياسة، وأدباء.. إلخ. لم يسلموا - أبدا- من السخرية، والاستهزاء، ومن السب وغيره.
ومن هنا فالراحل الجليل الشيخ عبد المجيد الزنداني شأنه شأن كل العظـماء عبر التاريخ الذين كان لهم أثرهم، وتأثيرهم، ولهم المكانة الراسخة، والحب الكبير في قلوب الناس، ومن الطبيعي جدا أن يكون له أيضا من يخاصمه أو يعاديه.
الشيخ عبد المجيد رحمه الله، لم تكن شهرته، ولا مكانته محصورة في بيئة محدودة، ولا في محافظة معينة، ولا في وطنه فحسب، ولكنها شهرة تجاوزت الوطن، وتعدت وطنه العربي، إلى العالم الإسلامي كله، وخارج العالم الإسلامي.
وإن تتناوله صحيفة هنا، أو قناة فضائية هناك، أو موقع، أو مواقع إعلامية هنالك؛ فهي- جميعها- قد انقلبت إلى محفزات تستنهض كل محبيه من مختلف الشرائح، ومن مختلف الأنحاء الجغرافية، بل واستنهضت المنصفين من اتجاهات عدة.
الشمس لا يحجبها الدخان ولا الغبار، والبحر لا تعكره أحجار يلقيها الصغار، وضياء الفكر والعلم، والمواقف؛ لا تحبس أثره، ونوره، تقارير مفتراة، استخبارية، أو إعلامية أو كتابات مختلقة.
رحم الله الشيخ الجليل عبد المجيد الزنداني الذي كان له أثره وتأثيره الواســـــع في حيــاته؛ يتلقف النــاس مواقفــه، ويتداولون أقواله، كما كان موته مقام إرشاد، وتعليم وتذكير؛ عزز مكانته، وأكد حسن سيره، ومواقفه على منهجه الذي سلكه في التعايش، والمساواة، والشورى، والديمقراطية:
وكانت في حياتك لي عظات
وأنت اليوم أوعظ منك حيـا