الوقوف أمام النفس ودوافعها للمراجعة والمحاسبة وإصلاح الخلل صفات الصالحين والقادة الربانيين وأهم مطالب الفوز والنجاح عموما
فتمحيص الدوافع الذاتية أمر شاق وصعب لا يوفق له إلا من وفقه الله، فالنرجسية هي أحد مظاهر اعتلال النفس وهي حالة تضخم ذاتي مرضي يقع فيها الناس بنسب متفاوتة والقليل من يتحكم بها ويتجاوز الخسران المبين وإحراق الأعمال.
إن الوقوف أمام الدوافع النفسية الخفية قد لا يراها الإنسان الذي يعجز عن الوقوف لحظة أمام نفسه ليحاسبها ويكبح جموحها طالما وهو لم يمتلك فنون المحاسبة الذاتية ولم يتدرب على الرؤية والاكتشاف الذاتي المتغير وشديد التقلب -إلا من ثبته الله- فقد تكتشف العالم وتجهل نفسك وهذه هي الكارثة.
إن المحاسبة الذاتية والمراجعة الدائمة أعلى مراتب الصالحين وقد كان الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب من أبرز النماذج في محاسبة النفس وتقريع الذات مع وجوده في القمة، وذلك من أجل إصلاح المقصد كهدف وحاجة دائمة لطرد الكبائر النفسية الخفية من مفسدات الأعمال.
فهؤلاء العظماء ببساطة وصلوا درجة القوة وتجاوزوا الضعف أمام أنفسهم، هذه الحالة تسمى عند البعض (التقييم الذاتي المستمر) وهي حالة تضمن القوة والتطور وتجاوز العيوب والاخفاقات في كل المجالات.
نحن دائما ما نقع ضحايا للضعف أمام النفس وقد تجدنا نحرق أعصابنا خارج الموضوع وخارج إصلاح الخلل الداخلي وبعيدا عن تقوية الذات بالمراجعة والتقييم لمواجهة العيوب والنزول عند الصواب مهما كان مرا، وهنا لا ينفع أن نكون مشغولين بعيوب الآخرين والتوهم بإصلاح العالم بآلية معطوبة وأدوات معطلة فتكون النتيجة مخيبة للآمال صانعة للخسران دنيا وآخرة، والتوفيق كما قيل عزيز ومن خسر التوفيق خسر كل شيء.
(إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ ما نوى) وهي أمور قلبية خفية لا يشترك فيها اثنان هي مهمة تخصك وحدك وتخصني وحدي ولها نتائج وعلامات؟
وكل واحد أخبر بنفسه وكل واحد عليه أن يسلك طريقا شاقا ليتدرب كيف يكتشف ويحاول إصلاح خبايا نفسه ودوافعها عند كل قول وعمل وهذه تسمى عند الصالحين(المجاهدة) للتخلية والتحلية، والعلاج يبدأ من المعرفة والتشخيص، اللهم أصلح مقاصدنا وأعمالنا كلها.