ما لم تحققه إيران في هجومها الجوي الواسع على إسرائيل تاريخ ١٣ أبريل ٢٠٢٤ في تلك الليلة ذات المجاهيل المتعددة، في الوصول إلى "تل أبيب" حتى بمسيرة واحدة، انتقاماً لتدمير قنصليتها في دمشق من قبل إسرائيل، وقبل ذلك مقتل سليماني والكثير من علماء وقادة إيران، استطاعت أن تحققه وتضرب قلب "تل أبيب" من منصتها الجنوبية (صنعاء)، ليتولى الحوثي المسئولية نيابة عنها وعن وكلائها جميعاً.
قيل يومها إن إيران تحاشت ضرب تل أبيب.
لأنها تدرك ما الذي يعنيه خرق قواعد الاشتباك من قبلها، أو من قبل وكلائها الآخرين، وخاصة درة تاجها حزب الله، مع إسرائيل، وهي القواعد التي ترعاها، كما يقال، أمريكا.
وبسبب الضغوط التي تعرض لها نظام إيران داخلياً، والسخرية منه خارجياً، جراء الفجوة الهائلة بين ما يطلقه من تهديد ووعيد من ناحية، وفعله الغائب على الأرض من ناحية أخرى، فقد اختارت إيران أن تخرق تلك القواعد بتشغيل منصتها الجنوبية "صنعاء"، من واقع أنها قد حولت اليمن إلى أرض مستباحة، وأهلها إلى أهداف عشوائية، وأنه لم يعد هناك ما يُخشى عليه، فلتضرب إسرائيل هناك كما تشاء طالما أن وكلاءها محميين، وما دونهم ليُحرق اليمن بأكمله.
هكذا يبدو الأمر دون حاجة إلى المزيد من الفذلكة، فإيران تلعب على المكشوف للدفاع عن أمنها ومصالحها بإشعال الصراعات والحروب في المنطقة طالما أن هناك من سيحارب نيابة عنها، وأن هناك عواصم أخرى ستدمر بدلاً من طهران، وأن هناك شعوباً ستباد تحت راية الدفاع الملغوم عن القضية.
توافقاً مع هذه الاستراتيجية استطاع النظام الإيراني أن يجعل من معاناة وآلام الفلسطينيين وسيلة لتبييض مليشياته الطائفية الانقلابية في بعض البلاد العربية ومنها اليمن.
هذا الحال سيظل فهمه رهناً باستيعاب حقيقة أن تفخيخ القضية الفلسطينية بالمشروع التوسعي الإيراني، واتخاذها جسراً لهذا المشروع إلى قلوب الكثير من العرب والمسلمين، كان من أولويات النظام الإيراني منذ نزوعه لتسويق مشروعه الأيديولوجي في المنطقة.
فقد اتخذ قضية فلسطين غطاءً، وراح ينخرها من الداخل، موظفاً صعوباتها ومشاكل نخبها البينية، ويعيد، من ثم، بناءها في الوعي الشعبي على أنها قضيته الرئيسية التي تبرر له تكوين المليشيات الطائفية المسلحة في أكثر من بلد عربي للإنقضاض على الدولة، وتكسيرها، ووضعها أمام خيار واحد في أحسن الأحوال وهو إجبار المجتمع على التخلي عن الدولة الوطنية بإقامة نظام طائفي تكون فيه الكلمة الأولى لها ولسلاحها.
لذلك ستجد اليوم من يهتف للحوثي على أنه هو من صعق تل أبيب في حادث نادر وغير مسبوق، وذلك بهدف مواصلة تبييض جرائمه المرتكبة بحق اليمن واليمنيين، واستكمال بناء عناصر تأهيله لحكم هذا البلد في وعي عربي مكلوم بجروح المأساة، ومخدوع بنفاق ما يسمى "محور المقاومة"، ومرقع بيافطات السلام المهترئة، والمرقطة بغباء الخارجين لتوّهم من مغارات الانتقام.