يومًا عن يوم ازداد يقينًا بإن الحل الأمثل والممكن في الحالة الراهنة يتمثل بإعادة الاعتبار لكثير من المفاهيم والمسميات التي طالها العبث خلال الحقبة المنصرمة.
ومن هذه المفاهيم السياسية التوحد السياسي الذي تعرض لأبشع انتهاك، وكذا مسمى السلطة الشرعية، إذ لابد من توافق فعلي وجاد بين مكونات السلطة الشرعية، وبما يفضي إلى جبهة واحدة تأخذ باعتبارها مصلحة اليمنيين وترسم خارطة دولتهم المستقبلية.
فدون رؤية سياسية واحدة وجامعة لهذا الشتات من الآراء والأفكار والغايات والقيادات والقوات، يستحيل أن تتحقق أيا من أجندة السلطة الشرعية، ما بقيت مكوناتها ضعيفة ومتناثرة ومحاربة بعضها البعض.
اعتقد أن الأعوام الفارطة كانت كافية لمراجعة الحسابات، فلا محافظات الشمال تحررت من مليشيات الحوثيين أو أن محافظات الجنوب أضحت في ظروف اقتصادية واجتماعية وأمنية تشفع لها التباهي بما أحرزته من تحرر وانتصار.
قلنا مرارًا أن العناد لا يفضي لنتيجة، كما والإصرار على السير بذات الطريقة والوسيلة التي أودت بالسلطة الشرعية ومكوناتها إلى الفشل ليس له ما يبرره غير أن هؤلاء لم يتعلموا أو يستفيدوا من تجاربهم السالفة.
الجماعة الحوثية ما كان لها أن تبقى وتدوم كل هذا الوقت لولا هذا الشتات والتنافر والخلاف الحاصل بين مكونات الشرعية.
ففي صنعاء هناك سلطة واحدة، وقرار واحد، وغاية واحدة وإن كانت بلا حاضنة وغير قابلة الاستدامة بالنظر إلى أجندتها الطائفية، فضلا عن كونها تمثل أقلية أثنية وتتصادم مع روح الحداثة والعصرنة.
بينما في عدن تتواجد سلطات وقرارات وقوات وغايات مختلفة ومتناثرة ومحاربة بعضها البعض. وأنني أعجب كيف ستنتصر هذه السلطات المختلفة؟ وكيف يمكنها هزيمة الجماعة الانقلابية؟ وكيف سيتحسن الاقتصاد والخدمات؟ .
فهذه المكونات تتحمل مسؤولية الفشل، فكل فصيل ساهم في قوة الحوثيين. كما وكل مكون ساهم في إضعاف السلطة الشرعية، برغبة أو سذاجة.
والنتيجة هي أنه لا صنعاء تحررت بحرَّاس الجمهورية أو عدن استقلت أو استعادت الدولة بقوات العاصفة أو العملاقة.
فمكونات السلطة الشرعية كل منها يجهد ذاته في تكوين مليشياته الخاصة به، وكل منها يعد قواته لمعركة إثبات وجوده وليس لمعركة مصيرية يتم فيها استعادة الدولة اليمنية ومؤسساتها النظامية والسيادية.
وبما أن واقع السلطة الشرعية بهذا الضعف والتمزق، فحتمًا هذه الوضعية صنعت بعبع الجماعة الحوثية، بل وأكثر من ذلك، أعطتها مكانة وقوة واستدامة جعلتها اليوم تفاوض وتحاور بمنطق القوي المسيطر والوحيد الذي بمقدوره وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن.
خلاصة الكلام، أن مكونات الشرعية اشتغلت من أجل غاياتها الضيقة الأنانية، غرقت في أتون معارك ثانوية أفضت إلى إنهاك اليمنيين بأزمات حياتية يومية بلا منتهى أو حصر. كما وخلقت حالة من اليأس لدى من بيده زمام القرار السعودي أو سواهم من الدول الداعمة للشرعية.
كيف ولا يمد الحليف يده لخصوم الشرعية ومكوناتها؟ فالواقع المشاهد أن هؤلاء مع الطرف القوي، والسلطة الشرعية للأسف لم تكن قوية رغم ما توافر لها من عوامل القوة، فيكفي القول إنها خذلت صنعاء وأساءت لعدن.
غفلت مكونات الشرعية حقيقة أن الحرب التي فرضها الحوثيين على اليمنيين جنوبًا وشمالًا، غايتها الأساس القضاء على الانقلاب، ومن أجل الدولة اليمنية العادلة التي ينبغي أن تتحقق للأجيال المقبلة.
وعندما غفلوا هذه الحقيقة، أسهموا بتقوية شوكة الجماعة الحوثية، ومنحوها أعظم فرصة تاريخية.
وإذا ما بقي حالهم هكذا، فلا أتوقع لهم غير المزيد من الإخفاق والإذلال، والزمن القابل سيكشف للأعمى ما أخفته النوايا الحسنة أو السيئة أو الشعارات والهتافات الصاخبة.