احتفلت تعز بتخريج ٧٢١ حافظة وحافظ للقرآن الكريم، كان مهرجانا مدهشا يحمل رسائل في غاية الأهمية في توقيت لا يقل أهمية عنه، ذلك أنه يأتي قبيل أيام معدودة عن الذكرى العاشرة للنكبة اليمنية في ٢١ أيلول الأسود، يوم بسطت إيران احتلالها الهمجي على اليمن عبر ذراعها القبيح مليشيا الحوثي الإرهابية.
المشهد المهيب الذي امتد في شوارع تعز الحرية والجمهورية لمئات الحافظات والحافظين، من أطباء ومعلمين ومهندسين ومبرمجي حواسيب ورسامين ورياضيين وعمال وضباط وغيرهم من شاغلي الوظائف العامة والخاصة يعكس حقيقة الصراع في أحد أخطر جبهاته، وهي جبهة الهوية الفكرية والثقافية على وجه الخصوص.
تبذل مليشيا الحوثي الإيرانية جهود حثيثة لتغيير هوية الشعب اليمني، تنفيذا للمشروع الإيراني الخبيث الذي أطلقت عليه "حرث الأرض" وتهدف من خلاله إلى إحداث تحولات جذرية عميقة تجتث الهوية اليمانية التي هي حقيقة الإيمان مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الإيمان يمان والحكمة يمانية"، فيما هي تتخذ من شعار الهوية الإيمانية، ستارا كاذبا لتدمير هوية اليمنيين وإيمانهم، تماما كما تطلق على نفسها مسيرة القرآن في حربها على المساجد والقرآن.
في عام ٢٠١٦م حولت مليشيا الحوثي الاستناد الرياضي في عمران إلى سجن كبير، أقدمت على حملات اختطافات واسعة، كان من بينهم فتى دون الخامسة عشر من عمره، جاء شقيقه الأكبر للمطالبة بالإفراج عنه، ولأنه يعرف جوهر المليشيا فقد ترافع عن أخيه بأوضح الأدلة التي يصدقونها، قال للمشرف الحوثي الذي يعرفه: أخي والله ما يحفظ حتى قصار السور من القرآن، فلماذا تم اختطافه؟!.
في ذلك السجن نفسه، ملعب عمران، كان من بين المختطفين مواطن يمني من الديانة اليهودية، ذات ليلة وجده المشرف الحوثي أثناء تقديم العشاء لهم، قال له: أسلم يا يهودي وأنا أخرجك من السجن.
رد عليه اليهودي بسخرية لاذعة وتهكم يعكس حقيقة المشهد: لم تفرج عن حفاظ القرآن من المسلمين عادك با تفرج عن يهودي، ما رضيت تخرج الطفل اللي ما يحفظ قصار السور!!
في تقرير سابق أصدره وزير الأوقاف السابق الدكتور أحمد عطية جاء فيه:
"قامت مليشيا الحوثي بتفجير 76 مسجدا ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم منذ انقلابها على الدولة في العام 2014، مشيرًا إلى أن انتهاكاتها طالت قرابة 750 مسجدًا في اليمن، تنوعت بين التفجير الكلي والقصف بالسلاح الثقيل والنهب لكافة محتوياته وكذلك تحويلها إلى مخازن للأسلحة ومقرات لتعاطي القات".
وبحسب تقرير وزارة الأوقاف السابق "عطيه" ، فإن مساجد محافظة صعدة وأمانة العاصمة طالتها النسبة الأكبر من انتهاكات الحوثيين، بواقع 282 مسجدا في أمانة العاصمة، و115 في محافظة صعدة، فيما بلغ عدد المساجد التي فجرها الحوثيون 79 مسجداً، والتي قصفوها بالدبابات والأسلحة الثقيلة بلغت 41، فيما اقتحموا وعبثوا بـ117 مسجداً، وحولوا 157 مسجدا إلى ثكنات عسكرية."
لا يمكن أن يغيب عن تفكيرنا المشهد المتطابق الذي يكاد يلخص كل الحكاية، وهو مشهد تم تصويره في بقعتين من بقاع بلادنا المحتلة، الأول وقد تكرر في مساجد اليمن طولا وعرضا وظهرت فيه عناصر من مليشيا الحوثي يرقصون ويتعاطون القات بوقاحة في المساجد، ونظير المشهد نفسه لجندي صهيوني اقتحم مسجدا في الضفة الغربية بفلسطين وفتح الميكروفون وغنى بأغاني توراتية ورقص في المسجد، كلاهما يكمل بعضه ويؤدي الغرض نفسه في تدمير بيوت الله والحرب على المقدسات.
في ذمار كانت دار القرآن في زراجة الحداء تحتفل كل عام بتخريج العشرات من حفاظ كتاب الله، احتلتها عصابة إيران الحوثية وحولتها إلى مكان لتعاطي القات والتدريب على تغيير هوية المجتمع.
في حمة سليمان قامت مليشيا الحوثي بتحويل دار القران إلى مركز تدريب لتغيير هوية الأطفال، كذلك فعلت في مسجد ورقة الكبير أحد أكبر المساجد في المحافظة.
ما يبعث على الأمل أن محاضن تحفيظ القرآن وتعليمه مستمرة في أداء دورها في حماية وعي وعقيدة اليمنيين رغم الجرائم البشعة والحرب الشرسة التي تخوضها إيران وعصاباتها الحوثية.
رسائل حفاظ تعز اليوم تقول أن اليمن بخير، وأن هوية اليمنيين راسخة وأن تدمير المساجد وتفجير دور القرآن مهمة قذرة فشلت في تحقيق أهدافها، وأن الطائفية النتنة مشروع خاسر ومهزوم، وهذه أبلغ رسائل المجتمع وأعمقها.