مع فجر الثلاثاء في إحدى مستشفيات العاصمة الماليزية كوالالمبور عن عمر ناهز الـ ٩٤ عاماً. أخلد إلى الراحة بعد طول عناء ومشقة، وصبر وجهاد، إنه المربي والمفكر الداعية الإسلامي العراقي الكبير/ عبدالمنعم صالح العلي العزي (محمد أحمد الراشد). صاحب كتب: المنطلق، المسار، العوائق، الرقائق، صناعة الحياة، مجموعة رسائل العين، الظاهرة القيادية، ولادة الحركات، منهجية التربية الدعوية، نحو المعالي، وتهذيب مدراج الساكين. وغيرها الكثير والكثير مما دونه وأثراء به المكتبة الإسلامية الحركية المعاصرة.
من يتقن قراءة كتب الراشد يجده امتداداً لسلف الأمة من ابن القيم الجوزية وأبو حامد الغزالي ومن هو على شاكلتهم ممن تسري الروح بين ثنايا سطور ما دونوه في حالة إعجازية فريدة من نوعها.
كتب الراشد لا يقرأها من يتهجأ الحروف أو ويتوقف عند المعاني الظاهرة للكلمات والجمل. إنما هي روح تقمصت الكلمات والحروف شكلاً فحسب، غير أنها أرواح وأمم تعيش وتتحرك وتنفث في روع من يلامس حقائقها اسراراً ليس لها حدود تأخذ بتلابيب ما علق بها من بقايا روح القارئ لتحلق بها في فضاءات لا متناهية من العلم والمعرفة والتبصّر والبصيرة الثاقبة.
في أسفار الراشد -عليه رحمة الله تعالى- لا قيمة لعدد الصفحات ولا لعدد ما قرأت من مجلدات خطتها يداه، إنما القيمة الحقيقية تكمن مع أول جملة استطعت فيها أن تقلع بروحك بعيداّ وتحلق بها في سماء الفكرة التي يريد هو أن يبعثها إلى الحياة الدعوية والحركية في واقعنا المعاصر.
في بعض أحيان بحسبك فقط أن تقف طيلة ساعات أو أيام أو ليال وقفة متعبدٍ متعظٍ متتلمذٍ ومتلذذ وخاشع ناسك مسلوب الإرادة أمام عبارة من ثلاث كلمات دونها كترويسة لصفحة على هيئة عنوان لموضوع كبير لا ساحل له.
في حدود علمي القاصر لا نظير له - عليه رحمة الله تعالى - من بين معاصري اليوم في ملامسته للواقع وتشخيصه للحالة ووضع التصورات الصحيحة والمعالجات الحقيقية. فهو لا يتوقف عند حدود الجغرافيا ومحدودية التجربة القطرية الضيقة، بل إنه شمولي النظرة، متسع الأفق، مستبصر بحال جميع الشعوب ومتطلباتها، وكأنه قد عاش في كل مكان وكل موطن، وبدواخل كل شخص حيثما كان وكيفما كانت رتبته في ميدان الدعوة والحركة والعمل.
لن تفي الكلمات القاصرة ببعض ما يمكن أن يقال في حق هذا الرجل العظيم والقامة السامقة، غير أنه لا يسعنا في مثل هذه اللحظة إلا أن نتوجه إلى العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويحسن وفادته عليه ويرفع مقامه عنده، وان يجزيه عن أمة محمد كل خير. وأن يخلف على الأمة خيراً.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فوداعاً أيها الراشد الحكيم.