من المستحيل الكلام عن ثورة 26 سبتمبر دون التحدث عن روحها وضابط إيقاع ضباطها الأحرار. علي محمد حسين عبد المغني والذي عرف بإسم علي عبد المغني. فيعتبر مهندس الثورة اليمنية 26 سبتمبر كما صرح بذلك الزعيم السلال في آخر مقابلة تلفزيونية له، وقد ولد هذا القائد العظيم في مديرية السدة بمحافظة إب وشاء الله تعالى أن ينفصل أبوه عن أمه وعمره سنتان، ثم توفي أباه وعمره 4 سنوات فانتقل إلى عند أمه في مديرية النادرة في نفس المحافظة، وهناك عاش في كنف أمه ورعاية زوج أمه.
التحق بالكتاب وحفظ المصحف وعمره 9 سنوات فتم تكريمه بحفل وزفة (كانت عادة في إب لمن يحفظ المصحف من صغار السن) وقد حضر الحفل السيد حسين الكبسي الوزير في حكومة الإمام يحي والذي جاء لزيارة قريته (ينعان) فأعجب به كثيرا، وكان له دور كبير بعد ذلك في التحاقه بمدرسة الأيتام بصنعاء الذي انتقل إليها وكان دائم التردد على حسين الكبسي الذي شمله بعطفه.
وعندما هبت رياح ثورة 48م كان عمر بطلنا أحد عشر عام. وقبل قيامها بأيام كان في زيارة لحسين الكبسي في منزله ببستان السلطان وصادف وجود الزعيم جمال جميل العراقي القائد العسكري لثورة 48 م والذي يعتبر الكبسي أحد رجالها. فتناقش الزعيم جمال كما كان يطلق عليه تناقش مع الولد علي عبد المغني الذي أعجب بحديثه ثم سأله سؤال مختصر. أين تكمن السعادة ياعلي؟ فأجابه على الفور تكمن السعادة في الحرية فضمه الزعيم جمال إلى صدره وقال أحسنت أحسنت، والتفت إلى الكبسي وقال له لو قدر الله وفشلنا في ثورتنا فهذا الولد وأمثاله هم من سيكملون المشوار ثم منحه مبلغ جيد من المال وكانت العملة بالريال الفرنسي وكان يطلق عليها (فرنصة) وقال له هذه هديتي لك اهتم بالعلم ولا يشغلك عنه شاغل (كما ذكر ذلك موقع مأرب برس في تقريره عن الشهيد بتاريخ 24 سبتمبر 2012م).
قيام ثورة 1948م
وماهي إلا أيام حتى قامت ثورة 48م وكتب الله لها الفشل وسيق معظم رجالها إلى ساحات الإعدام وسجون حجة ومنهم الوزير حسين الكبسي الذي أعدم في حجة وكان منصبه وزير خارجية الثورة، أما جمال جميل فقد أخرج إلى ميدان شرارة (التحرير حاليا) في 17 رمضان 1949م وقبل إعدامه التفت إلى الحضور ومنهم طلابه في المدرسة العسكرية، وكان من ضمن الحضور الولد علي عبد المغني. فخاطبهم جمال جميل وقال لا تحزنوا يا أبنائي لقد حبلناها وستلد..
تأثر بطلنا من الموقف وظل هذا المنظر والكلمات أمام عينيه فواصل دراسته مستعينا لفترة طويلة بذاك المبلغ الذي منحه جمال جميل والذي أودعه عند أحد الأشخاص من منطقته كان يملك فرن في باب السباح وكان يأخذ منها ريالين كل شهر. كما ذكر ذلك العديد من أقربائه.
حصل على المركز الأول في الثانوية وقد قاد مظاهرة في صنعاء أثناء العدوان الثلاثي على مصر فتم سجنه في الرادع مع عدد من زملائه، بعدها التحق بالدفعة الثانية في الكلية الحربية عام 1958م والتي عرفت بدفعة علي عبد المغني والذي حصل فيها على المركز الأول عند تخرجه. ثم التحق بمدرسة الأسلحة مع العديد من زملائه أحمد الرحومي ومحمد مطهر زيد، أحمد الكبسي، سعد الأشول وناجي الأشول ثم بدأ التنسيق والانتقال إلى تعز والحديدة وكان ميلاد تنظيم الضباط الأحرار في ديسمبر 1961م وفي منتصف 1962م سافر إلى مصر عن طريق ميناء المخاء عبر الباخرة مأرب وهناك التقى بالزعيم جمال عبد الناصر على باخرة في شرم الشيخ الذي أعجب به بشكل كبير ووعده بدعم الثورة عند قيامها وكانت هذه الزيارة والمقابلة بتنسيق من قبل محمد عبد الواحد السفير المصري في اليمن.
عاد بعدها إلى اليمن وتم تكثيف التواصل والتخطيط لقيام الثورة.
يقول الأستاذ أحمد المروني في كتابه الخروج من النفق المظلم. التقيت بالملازم علي عبد المغني في ميدان التحرير قبيل الثورة بأيام فقلت له بحذر ماذا ورائكم يا عزيزي؟ فرد علي وقال: إنكم قد أديتم واجبكم وتحملتم محنة انتكاسة 1948م وعلينا اليوم أن نؤدي الواجب ونتحمل تبعات مانقوم به وعلى الله التوكل..
قامت الثورة وأصبح عضو مجلس قيادة الثورة وصاغ بيانها الأول الذي قرأه محمد عبد الله الفسيل، ولأنه لم يكن يبحث عن منصب فقد قاد بنفسه حملة عسكرية إلى مأرب في بداية أكتوبر، أي بعد قيام الثورة بأسبوع واحد وهناك استشهد مع العديد من رفاقه في منطقة حريب 5 أكتوبر 1962ويرقد جثمانه اليوم في منطقة صرواح بمحافظة مأرب، رحمك الله أيها البطل المناضل علي عبد المغني ها نحن نتذكرك بعد 63 عام على رحيلك.
فعلي عبد المغني ليس شارعا في قلب صنعاء. لكنه قائدا وملهما في قلب كل يمني حر.