دعونا نتحدث بوضوح لا لبس فيه، لقد اجتمع القوم على وأد جمهوريتنا، لم يعلنوا ذلك صراحة، بل وضعوا كل العراقيل لمنعنا من الاحتفال بالجمهورية وبالثورة التي أنتجتها، في المناطق التي تقع نظريا تحت سيطرة الشرعية، وليس فقط في مناطق السطوة الطائفية للانقلابيين.
رئيس الوزراء أحمد بن مبارك يبدو أكثر احتراما لنفسه لذا قرر أن يغادر عدن صوب مأرب ليحظى بلحظة مجد توفرها بيئتها الزاخرة بالمشاعر الوطنية الوحدوية. غير أن هذا التصرف السياسي الذكي لا يكفي إن لم تتحول عدن إلى ملاذ وطني متحرر من الغوغائية المستحدثة بفعل فاعل إقليمي أغراه وهن اليمن العظيم في هذه المرحلة.
لم يعد من المقبول منع المظاهر الاحتفالية في العاصمة السياسية المؤقتة عدن وفي المناطق الواقعة في محيطها، التي وُضعت عنوةً وبالقوة القهرية من قبل "تحالف دعم الشرعية" للأسف، تحت تصرف مجاميع مسلحة تدور حول مشروع مشوه سياسياً ووطنياً.
هذا السلوك المنفلت وهذا الانحلال السلطوي لمجلس القيادة الرئاسي ذي الطبيعة الصورية المحضة، منح جماعة الحوثي الإمامية المجال للتصرف بمستوى أكثر عدائية ضد الاحتفالات الشعبية بأعياد الثورة في الجزء الشمالي من الوطن الواقع تحت سيطرتها وسطوتها.
إنها تتوسل المقارنة فيما تقوم به، بما يجري أيضاً في جنوب البلاد تحت سيطرة الشرعية، وتصر على فرض مناسبتها السلالية، لتزاحم بها سبتمبر المجيد؛ دون أن تستوعب أن هذا الشهر بات علامة وطنية مسجلة في قلوب اليمنيين وعقولهم؛ ولا يمكن له أن يستوعب مناسبة أنانية وشيطانية.
هل تشاهدون الجماعة الانقلابية وهي تطلق سطوتها وحقدها الطائفي على أحرار اليمن المحتفلين بثورة سبتمبر المجيدة الثورة التي لا تزاحمها الثورات بل تتناسل منها وتتغذى من قيمها، وهكذا كانت ثورة 14 أكتوبر 1963 وثورة 11 فبراير 2011.
لم يستطع هؤلاء المجرمون البقاء في "حصان طروادة" لفترة طويلة، ذلك الحصان الذي بُني من أجساد الجوقة الخائنة للساسة المشوهين ممن حملوا على أكفهم وسوقوا بألسنتهم هذه الجماعة المقيتة ومكنوها من الوصول السهل والمريح والمتعالي إلى صنعاء وإلى كل معسكرات جيش الجمهورية اليمنية.
لقد جهزوا الهراوات وظهروا على حقيقتهم، جماعة طائفية إمامية، تتصادم مع الضمير الوطني الحر للشعب اليمني، بما لا يزج مجالاً لليمنيين سوى الاصطفاف والتحرك كجسد واحد في مواجهة حاسمة تعيد هؤلاء المجرمين إلى جحورهم.
الجميع يشارك في خنق مشاعرنا الوطنية، لقد صُرفت ولا تزال تُصرف إمكانيات اليمن على قُطّاع الطرق وجماعات الإجرام السياسي وعلى مشاريع هدم الأوطان، إنه الاستثمار الوقح لإمكانيات بلدنا من أجل هدمه بمعاول الانحيازات الجهوية والطائفية المقيتة.
لكن كل ذلك لم يمس الإرادة ولم يطفئ جذوة الأمل..
نعم..
يذهلني هذا الحماس الذي يملأ قلوب ومشاعر اليمنيين من مختلف الأعمار، وتلك اللوحات الاستعراضية المبهجة لمدارس الجمهورية، في تعز ومأرب، والأصوات
المنعشة التي تطلقها حناجر الفتيان والفتيات.
يدهشني هذا التشبث القوي بعلم الجمهورية ذلك التدرج اللوني الذي يعيد للذاكرة الأهمية العظمى لثورة 26 سبتمبر أيلول.
بحلول ذكراها هذا العام تكمل ثورة 26 سبتمبر 1962، اثنين وستين عاماً من عمر ها المجيد وعهدها التليد. لهذا الرقم ماله من الدلالات والمعاني، إذ أن ستة عقود ونيف لم تكن لتكرس سُنّةَ التقادم، ولم تكن لتهضم وتتطبع مع فساد سلطة الفرد المنتحل لصفة الحاكم الجمهوري، ولم تكن لِتُنسي اليمنيين المجد الذي صنعوه قبل 62 عاماً، ولم يكن لهذه العقود أن تخلف وراءها سديماً معتماً يغطي على ذاكرة الأجيال المتلاحقة وعلى وعيهم ورؤيتهم النقية نحو المستقبل.
عشر سنوات من عمر الانقلاب صُرفت خلالها أموال المرتبات الخاصة لمئات آلاف الموظفين في جهاز الدولة، من أجل محو الذاكرة وتغييب الوعي وتدمير البنيان الوطني للتعليم، وصولاً إلى هدفهم المضمر والمعلن ألا وهو بناء المجد السلالي الفئوي الخاص وإشباع النهم والجوع التاريخي لنهب ثروات الوطن والشعب والاستيلاء عليها من قبل هذه الفئة الحاقدة والموتورة.
المجد والخلود لشهداء الثورة والجمهورية والتغيير
سبتمبر مجيد كل عام وأنتم بخير