لم يزل يوم ٢٦ سبتمبر باعثا للبهجة والأمل كأنه حدث للتو لا قبل ٦٢ عاما، تاريخ ميلاد اليمن الحديث واستعادة الإنسان اليمني لكرامته المهدورة وحقه الأصيل في اختيار حكامه بإرادته الحرة وسلبها متى شاء.
احتفل اليمنيون بعيد ثورتهم العظيمة بطريقتهم وقد بدت لهم حامل مشروعهم السياسي لا الأحزاب التي تخلت عن واجبها الوطني حين تواطأت مع عودة الإمامة، تجسّد سبتمبر في عيون المواطنين المغلوبين على أمرهم في شخصية الزعيم والقائد والملهم وكأن الزبيري والنعمان وجزيلان وعبدالمغني وسواهم أحياء يتصّدرون الجموع للاحتفاء بعيدهم الوطني.
ومنذ وضعت الإمامة أقدامها في شوارع العاصمة صنعاء قبل عشر سنوات بمساعدة نخبة الحكم، كانت الثورة هي ملهم اليمنيين العاديين الذين لم يجدوا أفضل منها للتمسك بحقهم في الحياة ومقاومة الكهنوت العائد وهم الذين لم يكونوا يتخيلون عودته من جديد.
إن قيم الثورة التي تتجلى اليوم في شعارات وكتابات الرأي العام على مواقع التواصل وفي الواقع تدل على أن قيمة الحرية التي زرعتها الثورة تنمو وتتجذر في نفوس الصغار قبل غيرهم وهذا مكسب كبير على طريق التحرر الطويل وصولا للمستقبل الذي يكون فيه المواطن حامي حقوقه أكثر من غيره.
ومفهوم الحرية والكرامة التي جاءت به الثورة يتجاوز المفهوم الشائع والذي يقتصر على العرض والنفس، هذا المفهوم يجعل الإنسان لا يقبل بالظلم من أيا كان ولا مصادرة حقه بدءا من حقوقه البسيطة في العيش وحتى حقه في تقرير مصيره واختيار من يحكمه.
وهذا النوع من الوعي هو الذي يحمي تلك الحقوق وهذا ما بدأ يتجلى في مظاهر الاحتفالات الشعبية التي تتجاوز الفرحة والتمسك بالنظام الجمهوري ومقاومة الحوثي إلى الإيمان بأنهم كشعب معنيون بالحرية لا النخب وأن غيابها يؤثر على حياتهم حتى وإن كان بعضهم لا يهتم بالسياسة أو حرية التعبير.
وفي هذا السياق، ينبغي أن يكون الوعي مصحوبا بتمثل القيم لا المظاهر الشكلية، إدراك أن الثورة تعني حكم الشعب لا حكم العائلة، أي أن كل مواطن شريك في صناعة القرار لا تابع لخدمة سلالة أو أسرة، وحينما يترسخ هذا المفهوم فسوف تتحصّن المناعة الوطنية ضد أي فيروس كهنوتي في أي زمن.
ومما يجب أن يتضمنه هذا الوعي، ارتفاع حساسية الرفض والمحاسبة لكل حزب أو قوة أو حاكم يهدر تضحياته ويجيرها لصالحه مما يعيد دوامة الحروب ليدفع ثمنها المواطن دون سواه، وما لم يحدث ذلك وبقيت الذاكرة العامة تعمل على طريقة ذاكرة السمك فمن السهل للانتهازيين المتاجرة بالجماهير وخداعها والتضحية بها.
نقول هذا لأن الإمامة الحالية لم تحكم بالانتصار في معركة، أو بالاعتماد على قوتها الذاتية مع استثمار القليل من الخلافات والأحقاد، بل حصلت على ما تحت يديها كهدايا مجانية دون قتال؛ بعدما تخلت نخبة الحكم عن واجبها الدستوري والوطني، مما جلب الجحيم للشعب ولا يزال غارقا فيه حتى اليوم.
إن أهداف الثورة لا تزال مشروع التغيير وبناء الدولة الوطنية التي يحلم بها الجميع، دولة المواطنة المتساوية وحكم الشعب، ولهذا النظام الجمهوري ليس مجرد نظام سياسي بل تجسّيد لتلك الأهداف وتاريخ ميلاد الحرية بعد قرون من الاختطاف.
إن مسؤولية الجيل الحالي مضاعفة بسبب العار الذي جلبته نخبة الحكم بإعادة الإمامة مما يستلزم منهم التضحية والتفاني والإخلاص دونما تعب وبدون ذلك ستطول المعاناة مع كل يوم تجثم فيه الإمامة على صدورهم وهي لن تزول إلا بالقوة وهذه اللغة التي تفهمها.
الثوابت الوطنية هي الجامع المشترك التي توحد الجميع وأي شعارات أخرى مجرد عبث وهروب من تحمل المسؤولية مهما تدثرت بوحدة الصف ومن هذا الكلام.