بعيدا عن تفاصيل ما جرى، مع أهميتها، فإن استسلام أبو عاقلة محمد أحمد كيكل للقوات المسلحة في منطقة جبال اللبيتور أقصى شرق الجزيرة ذات أبعاد مهمة على مجمل العملية العسكرية والاجتماعية في المنطقة، وهو مؤشر مهم لما جرى في الأيام الماضية، وسلسلة أحداث مختلفة، ويمكن الإشارة للنقاط التالية:

أولا: كيكل بكل الحسابات قائد عسكري ميداني مهم للمليشيا، ومنحته رتبة فريق وسلمته قيادة منطقة كاملة وظل وثيق الصلة بكل مجريات الميدان وتفاصيلها، وهذا يعنى أنه (شخصية مؤثرة وفاعلة) وانسلاخه من المليشيا سيحدث تأثيرا كبيرا ومؤثرا..

وفوق ذلك، هو كنز معلومات وتفاصيل دقيقة، من الصعب على المليشيا (لملمة) وقائعها قبل أن يتم توظيفها بما ينبغي، وبقية الأمور جلية..

ثانيا: فإن إستلام الجيش وانفتاحه شرق الجزيرة، ودخول مدينة تمبول، والانتشار بالضغط في هذه المنطقة له تأثير واسع على قدرة وفاعلية تحركات الجيش في منطقة منبسطة، وقطع إمداد المليشيا من الخرطوم مرورا بود راو ورفاعة، وسيكون تحرك فزع المليشيا في هذه الناحية غير ممكن، وبالقدر نفسه فإن هذا الانفتاح العسكري للجيش خفف عليه مناورات الجسور والترع من ناحية الفاو إلى مدني، وسيكون هذا محور آخر وأقل في مخاطره..

ثالثا: انسحاب كيكل من المشهد ليس وحده، وإنما مكون اجتماعي وقبلي وعلى راس ذلك القائد الطاهر ود جاه الله، وخلفهم قطاع عريض من الشباب الذين انضموا إليهم دفاعا عن ارضهم وأهلهم من رعاع المليشيا وببندقية وشعار المليشيا، وانسحاب هذه الشريحة من الميدان سيفقد الدعم السريع حاضنة كبيرة وجنود كثر كانوا في مسرح العمليات، وسيقلل من دافعية القتال..

رابعا: ستؤدي هذه الخطوة إلى أحداث انفراج في الضائقة الاقتصادية لكل شرق الجزيرة، وستتدفق السلع والمواد الغذائية والوقود بسهولة، كما أن انفتاح الجيش سيؤدي إلى تأمين منطقة الزراعة بالبطانة بشكل عام وهي مخزون غذائي لكل السودان..

خامسا: من الواضح أن هناك عمل استخباراتي كبير وتفاصيل كثيرة حققت هذه النتيجة المهمة والقاصمة للمليشيا، وتشير إلى حقيقتين:

- أن التحرك العسكري خطة شاملة بأطراف متعددة في الاستنفار والتدريب والتسليح والمعينات ومؤشرات الميدان والحاضنة الاجتماعية بالإضافة للاستخبارات والاستفادة من القوى الاجتماعية..

- والحقيقة الثانية فشل خطة المليشيا في توظيف الحواضن الاجتماعية، وكيكل هو راس القائمة، وهناك تفاصيل كثيرة..

سادسا: فإن تسليم شخص بقيمة أبو عاقلة كيكل، هو بالتأكيد دلالة على معاناة المليشيا على صعيدين:

- ضعف منطلقاتها في طرحها لمشروعها وغياب القناعة به... وهذا ليس هزيمة للمليشيا فحسب، وإنما دعاة التعايش معها وحاضنتها السياسية (تقدم) والذين انذرونا بالموت والمزيد من الدمار والخراب..

- ومعاناتها في الميدان ومسرح العمليات عسكريا ولوجستيا.. حيث تقلص الذخائر والوقود، والمعنويات والدافعية للقتال..

سابعا: وهذه نقطة مهمة وردت في بيان القوات المسلحة وهو ضرورة الالتزام بالعهد والوفاء به، وما دام القائد أعلن العفو وجدد ذلك، فإن هذا قرار مهم..

هذه الأبعاد الأكثر أهمية في قضية استسلام أبو عاقلة كيكل، ويشير ذلك - أيضا- لأهمية تأثير المكونات الاجتماعية واستغلال وتوظيف أدوارها..

حفظ الله البلاد والعباد..