عندما تعصف المحن بالأوطان، وحين يستبد الطغيان أو يجثم الاحتلال على رقاب الشعوب، يظهر الإسلاميون في طليعة المدافعين عن الكرامة والحرية. إنهم يقدمون أرواحهم، ويتصدرون المشهد بشهدائهم وجرحاهم، يحمون الوطن بسواعدهم ودمائهم. لكن المفارقة الموجعة تتجلى بعد النصر: تتحول ساحات الإشادة إلى ميادين اتهام، ويصبح من قدموا التضحيات هم أول من يُقصى، أو حتى يُزج بهم في السجون
لطالما كان الإسلاميون في الصفوف الأمامية لمعارك التحرير في مواجهة الاستعمار والطغيان. من أمثلة ذلك:
في مصر: شارك الإخوان المسلمون في مقاومة الاحتلال البريطاني بعمليات فدائية، ودعموا الجيش المصري في حرب 1948.
في الجزائر: لعبت التيارات الإسلامية دورًا رئيسيًا في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وكانت المساجد مراكز للتعبئة والتنظيم.
في فلسطين: لا تزال حركات إسلامية مثل "حماس" تمثل رأس الحربة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
في كل هذه الحالات، لم تكن تضحيات الإسلاميين مجرد شعارات، بل أفعال دفعت ثمنها الدماء والأرواح.
رغم هذه التضحيات، يبدو أن دور الإسلاميين ينتهي مع انتهاء المعركة، ليُستبدل التكريم بالتشويه. تُطلق الاتهامات الجاهزة:
"لن نستبدل الطغاة بالإرهابيين!"
"الإخوان حيثما حلوا جلبوا الدمار والخراب!"
"كيف يمكن لأصحاب اللحى أن يحكموا البلاد؟ تلك رجعية لا مكان لها في العصر الحديث!"
في أوقات السلم، يُعامل الإسلاميون كأنهم خطر على الدولة، فيُقصون من العملية السياسية، وتُفتح لهم السجون بدلًا من مكاتب الحكم.
عندما يُتهم الإسلاميون بأنهم سبب الخراب، يجب طرح تساؤل منطقي:
هل كانت الأوطان في أفضل حال قبل أن يتصدر الإسلاميون المشهد؟ أم أن القوى السياسية، سواء المحلية أو الخارجية، هي من تسببت في الفوضى؟
تُعد تجربة الإسلاميين في الحكم متواضعة مقارنة بغيرهم، ومع ذلك تُختزل المشكلات التي تعاني منها الدول في الإسلاميين وحدهم.
الإسلاميون يُستخدمون عند الحاجة. في أوقات الحروب، تُفتح لهم الأبواب لقيادة المقاومة، لكن بمجرد تحقيق النصر، يصبحون العقبة التي يجب التخلص منها.
القوى السياسية التي تطالب الإسلاميين بتقديم التضحيات في أوقات الحرب، تنكر عليهم الحق في المشاركة السياسية خلال أوقات السلم. هذا التناقض يعكس أزمة عميقة في بنية هذه القوى، التي تخشى من شعبية الإسلاميين وقدرتهم على الحشد والتعبئة.
الإسلاميون هم جزء من النسيج الوطني، ولهم حق أصيل في المشاركة السياسية.
لا يمكن بناء أوطان مستقرة دون حوار يضم جميع الأطراف، بما في ذلك التيارات الإسلامية.
التجارب الدولية أثبتت أن الإقصاء يزيد الأزمات تعقيدًا، بينما الشراكة تبني الاستقرار.
"التضحيات التي قدمها الإسلاميون في الماضي ليست دينًا مستحقًا، لكنها شاهد على أن الوطن لا يقوم إلا بأيدي جميع أبنائه، دون تمييز أو إقصاء."