تناول" إيريك هوفر" طبيعة الحركات الثورية والجماهيرية بدراسة مستفيضة؛ وذلك في كتابه المُدهش، الذي بعنوان " المؤمن الحقيقي" والذي نُشر لأول مرة في عام 1951م.
وهو قد تتبع في كتابه مراحل وعوامل تشكل هذه الحركات وتلاشيها؛ مُبيّنا أن هذه الحركات تكون عند بدايتها مخيفة؛ حيث تتركز قيادتها في أفراد متطرفين؛ استغلوا زخم الثورة الجماهيرية؛ فقطفوا ثمارها بمكر، وحرموا الجماهير من فجر الحرية الذي أوشك أن يُشرق!
وهذا هو ما حدث بحذافيره في اليمن على يد الحركة الحوثية؛ ذات الطابع الديني؛ والتي تبلورت عند بدايتها في شكل الكهنوت والطقوس ومزاعم الاصطفاء الإلهي للسلالة!
ثم أضافت لها بُعدا ثوريا؛ حين حاولت التبلور في شكل أجهزة رقابة وإدارة في مناطق سيطرتها.
غير أن المؤلف قد لفت النظر في كتابه إلى حقائق تاريخية مذهلة؛ مؤكدا بأن الحركات الثورية سيكون مصيرها الفناء والتلاشي لا محالة؛ إن هي لم تتوقف عن ترديد الشعارات القدسية الجوفاء، وتكف عن المراهنة على أتباعها المحبطين والكارهين لواقعهم المرير؛ وتسارع للتبلور في شكل حكومة ومؤسسات وطنية قومية؛ تشمل الجميع!
إننا عندما نُقارن بين الحركة الحوثية وغيرها من الحركات الثورية التي سبقتها في تاريخ العالم الحديث؛ سرعان ما نكتشف بأن الحوثيين لم يأتوا بجديد؛ بل هم تكرار ممجوج لتلك الحركات الثورية البائدة؛ كنازية هتلر وبلشفية ستالين.
فهل يظن الحوثيون بأنهم أكثر قوة من تلك الحركات؟!
هل يحسبون بأنهم سيخلّدون؟!
هذا قطعا، لن يحدث..
لماذا لن يحدث؟
لأنهم ببساطة يسيرون على خطى تلك الحركات التي فنيت وتلاشت بسبب عوامل متشابهة.
إنهم لا يُصغون لصوت العقل، ويمضون في اندفاعهم الثوري؛ متجاهلين المستجدات التي طرأت على خارطة السياسة العالمية، والتي تُنذر بنهاية وشيكة لهم!
إن المخاض الكوني، الذي دام لأكثر من عقد من الزمن قد قارب على الانتهاء؛ وسيولد عما قريب عالم جديد، لا مكان فيه لمثل هذه الحركات البدائية!
فالكل يتهامس عن الاتفاقات الخفية التي تبرمها دول الاستكبار_ كما يُسميها الحوثيون_ وهي اتفاقات بينية واسعة الطيف؛ ولا محل فيها للحركات الثورية المزعجة!
كم هو مؤسف أن يُكرر الإنسان أخطاء من سبقوه، وينفذ ذات السيناريو القديم الذي ثبت فشله!
فقد لاحظ الجميع كيف بدأت الجماعة الحوثية بمعاداة بعض حلفائها والنيل منهم؛ بمجرد أن كف التحالف العربي عن استهدافها، بل وقطع شوطا في الصلح معها!
وهاهم يركضون نحو شفير الهاوية، ويقفزون القفزة الأشد خطرا عليهم؛ فهي كما يصفها إيريك هوفر: "أداة تحطيم كل حركة" وتتجسد في وضع أهداف يستحيل تحقيقها!
فهم يستهدفون العدو الصهيوني في عقر داره؛ بعدما أعلنوها حربا مفتوحة ضد إسرائيل بهدف تحرير فلسطين!!
إنهم بكل بساطة يدقون المسمار الأكبر في نعش حركتهم؛ مع أن الخيار الأفضل مايزال متاحا لهم، وهو لا يتطلب سوى عودة صادقة إلى وطنهم، وإلى قوميتهم التي يتنكرون لها!
فصاحب كتاب" المؤمن الحقيقي" يُخبرنا بهذه الحقيقة الساطعة قائلا:
"بأن النجاح الياباني الأسطوري في التحول إلى دولة حديثة لم يكن ليتحقق لولا روح الصحوة القومية في اليابان.. وأن التحديث الذي طال ألمانيا قد تسارع بسبب شيوع الغليان القومي فيها".