أخيرا، خرج مبعوث الرئيس ترامب- كيث كيلوج- لإنهاء حرب أوكرانيا إلى الضوء، وتكلم.
قال "كيلوغ"، أنه سوف يبدأ غدا بالتنقل جيئة وذهابا بطريقة مكوكية بين غرف أحد الفنادق السعودية لمفاوضات غير مباشرة بين الوفد الروسي والأوكراني.

الذي أوصلهم كلهم إلى هذه النقطة من دبلوماسية غرف الفنادق هو ضغط ترامب على الرئيس الأوكراني زيلنسكي والمكالمات الودية مع الرئيس بوتين.
الذي أزاح دور كيلوج- مبعوث ترامب- إلى زاوية مظلمة، هو ستيف ويتكوف سمسار العقارات الذي يستعمله الرئيس ليبدأ أي شيء وكل شيء.
الكارت الچوكر لترامب- ستيڤ ويتكوف- يلعب معه الجولف، ويستثمر معه في العملات المشفرة والبيتكوين، ويستعمله في إنهاء حرب غزة، وفي الترويج لطرد أهل غزة، وفي القضاء على طموحات إيران النووية والتوسعية الإقليمية النووي، وفي إنهاء حرب أوكرانيا.
نحن، سوف نلف وندور ثم نعود لليمن.
اليمن، هي الكم المهمل والبؤس المنسي على المسرح الإقليمي والعالمي.
ومهمتنا نحن اليمنيون هي دهف ودفع قضيتنا ولو بمقدار سنتيمترات إلى الأمام لتقترب من الصف الأول في كل منصة مسرح وكل حدث.
أولا: انتصار روسيا
هذا هو المتوقع إذا أثمرت المفاوضات وتوصلوا إلى إتفاق.
روسيا:
يمكن أن نقول بأن الرئيس ترامب قد اعترف للرئيس بوتين بأنه قد انتصر.
وأن المفاوضات إنما هي لتحديد مقدار غنائم ومكاسب روسيا المنتصرة على حساب أوكرانيا المنهزمة.
ويمكن تقسيم غنائم روسيا إلى جزئين: الأول مستعجل يمكن روسيا أن تحتفل به فورا بالنصر، وجزء ثاني طويل المدى يجعل من أوكرانيا مجرد "حديقة خلفية" تستمتع بها أو تعبث كما تشاء.
وقد حصل بوتين مسبقا على تنازلات ضخمة من ترامب كانت تحت باب الآمال والأحلام الروسية بعيدة المنال، بالتخلي عن الدفاع عن أوكرانيا بنفس طريق الرئيس السابق بايدن، وفي شق وحدة الصف بين أمريكا وأوروبا، وفي التبارد بشأن حلف الناتو
ثانيا: هزيمة أوكرانيا
انتهى طموح أوكرانيا بالاستقلالية والانعتاق من شبح روسيا واكتساب المكانة في أوروبا وحلف الناتو.
ولا يوافق بوتين على السماح بقوة حفظ سلام أوروبية للفصل بين الجيشين الروسي والأوكراني ولا بانضمام أوكرانيا للإتحاد الأوروبي.
ولا يريد ترامب تقديم ضمانات لأوكرانيا بالحماية إذا قررت روسيا غزوها من جديد.
لكن يمكن أن يعود وضع أوكرانيا السابق كمسرح لألعاب المخابرات الروسية وتحويل البلاد إلى “حديقة خلفية" من جديد كما كان الوضع قبل 2014.
(وهذا شبيه بما تفعله دول الخليج باليمن واليمنيين)
يعرض ترامب فقط ضمانة اعتبارية غير مكتوبة وغير ملزمة وهي أن تسلم أوكرانيا للشركات الأمريكية حق استغلال مناجم ثروات المعادن النادرة وحق تشغيل 15 مفاعل نووية لتوليد الكهرباء وبيعها للمواطنين، وهذا سوف يمنع روسيا من غزو أوكرانيا.
ثالثا: نكسة أوروبا
دول أوروبا تنفق أكثر من أي مكان في العالم على الضمانات الاجتماعية والرعاية الصحية على شعوبها ولا تنفق كثيرا على السلاح والدفاع مثل الدول العظمى ولا يعجبها رفع سقف الدين الداخلي كما تفعل أمريكا لتصرف وتتفاخر وتتصرف كدولة عظمى.
مؤخرا، وافقت أوروبا على رفع سقف الدين ومستوى الانفاق على التسلح والدفاع.
وهناك تفهم من عندنا لحيرة وتوهان قادة أوروبا وشعوبها بشأن ما يجب عمله لأمن ومستقبل والمكانة العالمية للقارة العجوز وهم يكتشفون أن حماية أمريكا لهم التي استمرت 80 سنة قد انتهت.
رابعا: موغادة ترامب وأمريكا
ترامب يعتبر نفسه أنه هو أمريكا وأن أمريكا هي ترامب.
وأنه سوف "يعيد عظمة أمريكا مرة ثانية" MAGA وأن هذه العظمة هي عظمة شخصية له في نفس الوقت بمكاسب معنوية ومالية له شخصيا ولعائلته وشركاته.
يريد ترامب مكاسب شخصية واستثمارات له ولأمريكا.
وفعلا قد وافق بوتين وقد طلب عودة الشركات الأمريكية مع عرض قائمة باستثمارات 300 مليار دولار جاهزة في الحال.
تنازلات بشأن الصين:
ترامب، سوف يطلب من بوتين تنازلات مقابل التنازلات التي قدمها له في أوكرانيا.
سيطلب ترامب من بوتين التباعد من الصين أو مايسمونه Reversed Kissinger Policy "سياسة كيسنجر بالمعكوس" التي نجحت بإبعاد الصين عن الإتحاد السوفييتي مع بذر عداوات استمرت لعقود من الزمان.
فكرة شق العصا بين الصين والإتحاد السوفييتي كانت فكرة الرئيس ريتشارد نيكسون ولكن الفضل نسبوه لوزير خارجيته هنري كيسنجر.
اليوم، يريد ترامب أن تعمل روسيا على الابتعاد عن الصين وعدم تزويدها بالنفط الرخيص والمعادن والتوقف عن التحالف معها في المحيط الباسيفيكي وغيرها من مناطق العالم.
هذا طلب محرج جدا لروسيا.
فك روسيا لتحالفها مع الصين، إرضاء لترامب، سوف يتطلب الكثير من المراوغة وسوف يكون درسا في عوالم "لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ولكن مصالح دائمة" و "تقلبات الأحوال والزمان".
تنازلات بشأن إيران
سيطلب ترامب من روسيا عدم شراء طائرات مسيرة إيرانية وعدم بيعها لها أنظمة دفاع جوي وطائرات سوخوي قاذفة مقاتلة.
وسيطلب سياسة مشتركة بشأن المشروع النووي الإيراني.
وسيطلب توقيف توسعات إيران في البلاد العربية.
وهذا كله سوف ينهي تلقائيا تعاملات روسيا مع الحوثيين داخل اليمن، الذين هم مع ميليشياتها في العراق آخر ما تبقى من حلفاء إيران في المنطقة.
يمكن أن يقوم الرئيس بوتين بإرضاء ترامب بشأن إيران مع شيئ من التزيين والتجميل.
مرة أخرى: "لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة"
خامسا: انتهاء دور إيران في اليمن.
ترامب، قد لا يحتاج أي شيئ من بوتين لإنهاء دور إيران في اليمن، لأن هذا الدور قد انتهى فعلا.
كما ستفعل روسيا بالتبارد مع صديقتها إيران، سوف تتبارد إيران مع أصدقائها الحوثيين.
إيران، قد أصبحت ضعيفة وانكشفت أمام ضربات اسرائيل.
والشعب الإيراني يعاني من سوء الأحوال المعيشية.
أمريكا الآن، تقوم بقصف الحوثيين في اليمن بالقنابل والصواريخ، جوا وبحرا.
وأمريكا، سوف تقطع بنفسها شرايين الحياة التي تمتد من إيران إلى الحوثيين بالمال النقدي وشحنات النفط والغاز المجاني والسلاح المهرب عن طريق البحر أو سلطنة عمان.
يمكن أن نقول أن دور إيران في اليمن وفي دعم الحوثيين قد انتهى.
سادسا: اليمن بين كل هذا الزحام
١- نجومية بن سلمان عند ترامب
ترامب، يقدم لولي العهد السعودي- على طبق من فضة- ارتفاع المكانة والهيبة له شخصيا وللمملكة السعودية في المنطقة والعالم.
وبالتأكيد فإن لكل شيء سعرا ولا بد من دفع الثمن في الحال أو بالدفع المؤجل.
وهذا شيء خاص بين ترامب وبن سلمان ونحن اليمنيون نتفرج فقط ولا نتدخل بالشؤون الشخصية.
وقد يطلب ترامب من السعودية تنازلات لصالح اسرائيل، ونحن اليمنيون لا نملك شيئا تجاه هذا الأمر.
ما يهمنا، نحن أن رغبات ولي العهد والمملكة بشأن مصير اليمن، سوف تكون لها الأولوية عند ترامب.
سواء تبقى شيئا من الحركة الحوثية أو تم صرعها إلى الأبد، فإن خطط السعودية لمصير اليمن سوف يكون لها مكانة الصدارة.
المشكلة، عندنا نحن اليمنيون، هي أننا لا نعرف ماذا تريد السعودية من اليمن.
٢- نجومية أبناء زايد عند ترامب
نجومية طحنون بن زايد وأخيه رئيس الإمارات محمد بن زايد معروفة ونستطيع أن نكتب عنها كتابا كاملا.
وقد قدموا لترامب وأمريكا كل شيئ مطلوب وعلى رأسها أقوى العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والخدمات المتبادلة بين أي دولة عربية واسرائيل.
ولا يمكن لترامب أن يتجاهل رغبات الإمارات في اليمن.
والإمارات منغمسة جدا في كل شؤون اليمن وقد استثمرت كثيرا في رفع شأن قادة وإنشاء جيوش ميليشياوية.
والإمارات تريد انفصال جنوب اليمن في دولة مستقلة لتتمكن من امتلاك جزيرة سقطرى.
٣- نجومية اسرائيل عند ترامب
نجومية نتنياهو عند ترامب، واضحة.
نتنياهو واسرائيل، لا يريدون فقط تأمين الملاحة في البحر الأحمر، ولكن أيضا رؤوس كل القادة الحوثيين.
اسرائيل، قد جعلت من قتل قادة الحركات التي تعاديها، والانتقام منهم شخصيا حتى بعد زوال الخطر منهم، جزء من عقيدتها العسكرية وليست مجرد عمليات عابرة تحدث أثناء المعارك.
ترامب، أيضا يقول إنه يريد قتل القادة الحوثيين، ولكنه قد ينشغل بأشياء أخرى.
ولكن اسرائيل لا تنشغل بأشياء أخرى عندما يكون الأمر متعلق بقتل العرب.
ترامب، لن يعارض عمليات قتل اسرائيل لقادة الحوثيين وربما حتى يساعدها استخباريا ولوجستيا وربما حتى عمليا إذا سنحت الفرصة.
اليمنيون
اليمنيون، قد تمزقوا ويتابعون كل هذه الأحداث.
ومنهم من يطبل ويهلل لنجومية بن سلمان وبن زايد وحتى لنجومية نتنياهو.
وطبعا يراقبون ترامب وهو يقصف الحوثيين.
خاتمة:
ما سيحدث للحوثيين، سيكون نتيجة لتفاعلات نجومية ترامب ونتنياهو.
ما سيحدث لليمن، بعد ذلك، سيكون نتيجة لتفاعلات نجومية بن سلمان وبن زايد.