تعيش اليمن لحظةً استثنائية، مليئة بالتحولات والمتغيرات المتسارعة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ولا تكاد تمرّ أيام دون مستجد يفرض على السلطات مسؤوليات كبرى ومواقف واضحة.

ومع ذلك، لا صوت يُسمع لمجلس النواب اليمني، ولا حضور لرئيسه سلطان البركاني، في وقتٍ تبدو فيه البلاد في أمسّ الحاجة لصوتٍ تشريعي قوي، يتقدم الصفوف لا يتوارى خلف جدران الفنادق.
العملة تنهار، والاقتصاد يترنّح، وتصنيف مليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية دخل حيّز التنفيذ، تتبعه ضربات دولية يومية لمواقعهم، وما زال البرلمان في حالة "سبات تشريعي"، بل وغياب مقلق غير بريء عن المشهد برمّته.
لكن المفارقة المحزنة أن رئيس المجلس، بدلاً من الانشغال بمناقشة قضايا الوطن، انشغل مؤخرًا، وفقًا لرسالته الاخيرة، بتوجيه انتقاداتٍ لاذعة لإعلاميين بسبب وصفهم للمجلس بـ"مجلس الواتساب"، بعد أن شكا أحد الأعضاء من طرده من مجموعة "الواتساب" الخاصة بالمجلس!
يا للمهزلة.. مجلس تشريعي يُفترض أن يُشرّع ويناقش الكوارث، باتت قضاياه الأساسية تدور حول الخروج من المجموعات والمحادثات وتبادل الاتهامات
أين صوتك يا بركاني؟ أين المجلس من دوره الدستوري؟ أين الرقابة والمساءلة؟ أين الجلسات؟ أين التقارير؟
نذكّركم، إن نسيتم، أن الدستور في المادة (62) ينص على أن مجلس النواب "يمارس مهامه في التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية."
والمادة (66) تعطيه الحق في "طلب استجواب الحكومة أو أي من وزرائها".
والمادة (77) تنص صراحةً على أن "لمجلس النواب وحده حق سحب الثقة من الحكومة".
لكن أين هذا كله في عهد سلطان البركاني؟
لم نسمع له بيانًا، ولم نشهد. أي جديه حقيقة لانعقاد المجلس، ولم نرَ مساءلة أو استجوابًا لأي مسؤول حكومي منذ تولّيه رئاسة المجلس حتى في الواتس اب
لقد تخلّى الرجل عن مسؤولياته، وترك المجلس ضحية للتعطيل، والحكومة فريسة للانقسامات، والشعب فريسة للجوع والانهيار.
أما بشأن الاعتمادات والهبات التي يتقاضاها بعض مسؤولي الدولة من الدول الشقيقة، كالسعودية والإمارات، والتي وصفتها في رسالتك الأخيرة بانها هبات من الواهب .. فهي تفتح بابًا مشروعًا للسؤال، ليس من باب الإساءة أو سوء النية بل من باب الشفافية والمحاسبة:
مقابل ماذا تُمنح هذه المرتبات والاعتمادات او حسب وصفك الهبات ؟
هل هي نظير أدوار سياسية محددة؟ أم مواقف مطلوبة؟ أم سكوت مريب في لحظات حرجة من تاريخ الوطن المفصلي ؟
إن الشعب، بالمؤكد ليس ضد الدعم الإقليمي عندما يكون دعمًا لخدمة معركتنا الوطنية تحرير اليمن من الاحتلال الايراني،
لكن الشعب بالمؤكد ايضا يرفض تمامًا أن تتحوّل تلك الاعتمادات إلى وسائل نفوذ أو أدوات إسكات، تُقزّم من دور المؤسسات السيادية، وتُحوّل بعض المسؤولين إلى وكلاء لمصالح الخارج بدلًا من أن يكونوا خُدّامًا للمعركة الوطنية ولمصلحة الشعب.
من حق اليمنيين أن يعرفوا: ما هو المقابل السياسي والوطني لهذه الأموال؟
وما هي الالتزامات غير المُعلنة التي تُفرض في مقابلها؟ ان وجدت
والواجب على كل مسؤول أن يوضح، بصراحة وشفافية، لماذا يتقاضى دعمًا ماليًا من خارج خزينة دولته؟ وهل ارتبط هذا الدعم بأدائه الوطني؟ أم بصمته السياسي؟ ام بتعطيل مؤسسات الدولة ؟
نقولها بصدق: وطن يحتضر، واقتصاد ينهار، وشعب يُذبح كل يوم، لا يحتاج إلى خطابات ولا مؤتمرات، بل إلى رجالٍ حقيقيين يتحمّلون مسؤولياتهم بشجاعة، أو يتركون المكان لمن هو أهل له.
فاليمن لا تحتمل مزيدًا من الصمت، ولا تقبل أن تُدار ملفاتها الوطنية الكبرى من مجموعات "الواتساب"
انتم بذلك تُقزمون اليمن، وتسيئون لقضيته الوطنية وتخدمون الاحتلال الايراني ومليشياته !!