لكي نعرف ضرورة ما لنظام الحكم السياسي المدني من منح وعافية وعاقبة خير للمجتمع إذا قاده العدول الثقات ذوي الكفاءات وأهل التخصص مع الورع والانضباط، فإنه يلزمنا أن ننظر للفوضى والأحوال الرديئة التي تهبط علينا في غفلة شعبنا ووضعه الثقة في غير محلها، ولننظر في حال وواقع أقطانا العربية بالذات وواقع شعبنا اليمني بخاصة حتى ندرك كثيرا من الدروس والعبر التي تبين جسامة انحراف الناس حين ينحرف الرأس، وحتى يظهر لنا مبلغ الاستهتار إذا ساد الفساد من دون رادع يقف ضده من الشعب، ومما لا شك فيه أن هذه الترديات حصلت خلال تاريخنا اليمني مرات كثيرة، ويتبين لنا من تفحصنا لتاريخ اليمن القديم والحديث سلسة من السوء التي له جذور ضاربه في العمق، ويتضح لنا أن الشجرة الخبيثة تنمو حيناً وتسقط حينماً يصحو الشعب، ويبذل المصلحون جهودهم لاجتثاث شجرة الفساد تماما كالجرثومة التي تشلها الوقاية فيختفي أثرها بينما تظل تمدها بالنماء والسقا مستنقعات آسنة يغفل عنها المصلحون ويتساهل بها الشعب، فمتى جرد الشعب سيفه لمواجهة جرثومة الفساد لبس المفسدون ثوب التوبة وادعوا الوطنية ومصلحة الشعب، ويتراجع عبثهم!، إننا بحاجة ماسة لنقرأ تاريخ الدول اليمنية المتعاقبة من الدولة الزيادية والرسولية والنجاحية والزريعية، وقبلها الدولة الإسماعيلية والزيدية، لنعرف أن اليمن التاريخي من حدود نجد والحجاز إلى بحره العربي لم يعرف الانفصال, ولا وثيقة بن عمر، ولنعرب أن المدن المعتبرة في هذا التاريخ كمراكز حضارة علمية يمنية وسياسية يدار منها الشعب الواحد إلى حدوده مع اليمامة والحجاز، تشكل لليمن نصف قطر دائرة، نقطتها (الجند) تعز وتقابلها عدن وجبلة وزبيد، وصنعاء لم تكن يوماً منطلق سياسة اليمن وإن كانت أم قرى اليمن تاريخياً وعلمياً وثقافة، لكن القيادة السياسية والإدارية لهذه المدن المذكورة حتى إن رسولنا الكريم أمر أمراءه على المخاليف اليمنية وجعل على الجميع معاذ بن جبل وجعل منطلقه من الجند وليس من صنعاء، وإنما الذي قسم اليمن وشتته هو الاستعمار في الجنوب والمتعاون معه في شماله الذي ضمه لدولة أخرى، وهذا الذي يدعو لمنهجه اليوم العملاء الذين تربوا على ثقافة الاستعمار والعمالة والارتزاق، الذي سماه جنوباً عربياً، وهو جنوب يمني بكل مقومات اليمنية دينا وثقافة وإنساناً، إن قراءة التاريخ مهم للتحرر من ثقافة الاستعمار الذي يروج لها اليوم من لا يعرف التاريخ فعلى العلماء والمفكرين الصادقين والسياسيين المخلصين والعسكريين المؤمنين أن يقوموا بواجبهم في نشر الثقافة التاريخية لليمن الواحد ويكشفوا زيف العملاء الذين يرتزقون بتشتيت شعبنا ، ولنتأمل جميعا أن الفرق بين العلماء والعملاء تركيب الحروف فقط، فمتى يهزم علماؤنا فكر العملاء الذين يلبسون ثوب الوطن ويعملون على تمزيقه؟