بقلم / عبد الجبار سعد
تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطا قوية على كل دول العالم .. وتتركز أعظم وأقوى هذه الضغوط على المنطقة العربية والإسلامية تحديدا وهي المنطقة التي أرادت أمريكا أن تحرف تسميتها الى الشرق الأوسط لكي تستوعب اسرائيل الكيان الصهيوني اللقيط في المنطقة .
اعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عزمه على إجراء مفاوضات مباشرة مع سوريا ثم مع حماس باعتبارها قوة فلسطينية مؤثرة وطرفا من أطراف الصراع في المنطقة التي تعتبر القضية الفلسطينية القضية المركزية فيها منذ أكثر من نصف قرن .. فسارع البيت الأبيض بالإنكار على كارتر هذه الخطوة مبررا اعتراضه بأن سياسة الإدارة الأمريكية تقوم على أساس عزل حماس وسوريا .
>>>
والإدارة الأميركية حين قررت عزل حماس وسوريا .. أوعزت الى كل حكامها في المنطقة بأن يدعوا الجرح داميا بين الفلسطينيين فلا يتدخلون في معالجته ويدعوا الجرح نازفا بين سوريا ولبنان فلا يتدخلون في ايقاف نزفه بل ويزيدونه نزفا .. فلم يجرؤ أحد منهم على تجاوز الخطوط التي رسمتها لهم الإدارة الأميركية .. مع ان هؤلاء الحكام هم الذين أغروا حماس بدخول الانتخابات أول مرة في طريق ترويضها سياسيا وهم الذين أدخلوا سوريا في لبنان أول مرة ذات يوم من أيام الغزل الأميركي .. المعادي للعراق وفلسطين ..
>>>
وحده كان رئيس اليمن الموحد هو الذي اخترق الصمت ونقض الفيتو الأميركي .. وجمع الفريقين الفلسطينيين وقدم المبادرة تلو المبادرة حتى أوصلهم الى أن يمد أحدهم للآخر يده وأراد بعدها أن يقدم للعرب في قمتهم هذه العطية لكي يضاعفوا عطاءها ويستخرجوا ثمرها ويتمموا حصادها ..فلم يمكنه البعض من ذلك ولكن تقدمت المبادرة بنفسها الى القمة لكي تواصل سيرها .
>>>
هل كان علي عبد الله صالح جاهلا بالوضع العالمي؟ أوغافلا عما وضعته أمريكا من خطوط وألزمت به حكامها في المنطقة .أم كان يعلم كل ذلك ولكنه كان يعتقد أنه قادر على مواجهة قوة أمريكا وهزيمتها وحده في حين عجز العالم كله عدا المقاومين في العراق على مواجهتها .. ؟
أم أنه كان يريد أن يهرب من مشاكله الداخلية كما يحاول البعض خصوصا معارضتنا المشتراة من بوش .. وحكامه في المنطقة .. أوما يسمون بالمارينز اليمنيين .. ؟
>>>
كل من يجيد قراءة الأحداث والأشخاص يعلم أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ليس بذلك الجاهل في السياسة الدولية فهو ربما كان أبرع الحكام وأقواهم نفاذا وتأثيرا في الوضع الدولي رغم فقر بلاده بين حكام أغنياء مطيعين لربة العالم الجديد وهو يبدو أكثرهم حنكة في التعامل مع الثور الأميركي الهائج والذي دمر العالم كله بسياساته الخرقاء والرعناء .. لقد حافظ الرئيس اليمني على علاقة متميزة مع أمريكا ومع الغرب في نطاق مايسمى بالحلف العالمي في مكافحة الإرهاب دون أن يضع نفسه كما فعل غيره .. عربة يجرها حصان أمريكا بل .. تعامل معها تعامل الند للند في الأغلب الأعم من المواقف وانحنى حين وجد الانحناء قليلا لا يكسر الظهر ولا يذل الهامة فيماظل شامخا في مواقفه حيث يكون للشموخ معناه كموقف عربي مؤمن .. لكنه لم يبتذل نفسه ولا شعبه ولا أمته مطلقا أو هكذا يرى الأمر كل من يتأمل المواقف اليمنية منذ حرب الخليج .. وربما لهذا السبب جمع عليه حكام المنطقة وسيدتهم أمريكا كل شذاذ الآفاق من معارضة الداخل والخارج ليكسروا ظهر الإرادة اليمنية في شخصه ومواقفه ..كما أنه لم يكن يريد بموقفه هذا الهروب من أزماته الداخلية إذلو كان الأمر كذلك لكان الهروب الى الجانب الآخر الذي هرب اليه مثل ابن نوح عليه السلام حين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء و إلى حيث ذهب الكفار من قوم نوح خارج السفينة وهم الحكام في مثالنا هذا ولماكان سارع كالقلة المؤمنة من رجالات العرب والمسلمين ليركب سفينة نوح في زماننا تلك السفينة التي لا يركبها كافر ولا يتخلف عنها مؤمن.. وهي سفينة المقاومة للباطل وللاحتلال وسفينة الدفاع عن الحق في مواجهة الباطل وسفينة الدفاع عن القيم في مواجهة الهمجية والاستضعاف وسفينة الإيمان المواجه للكفر العالمي المستأثر .
>>>
لقد كان يمكنه لو أراد المساومة أن يهرب إلى من خلق وصدر له هذه الازمات وهي أمريكاذاتها وحليفاتها العربيات وحكامها المطيعين في المنطقة ويقدم لهم التنازلات المطلوبة لكي يحظى برضاهم وربما كان أول تلك التنازلات أن يتخلى عن قضايا العرب الحيوية .. وأولها فلسطين والمقاومة الفلسطينية المسلحة ...
>>>
إذن فما الذي دفع الرئيس اليمني الى اختراق ونقض الفيتو الامريكي .. ؟
الجواب ببساطه ان الذي دفعه هو نفس الدافع الذي دفع الحكيم الامريكي الرئيس جيمي كارتر لتحدي الإرادة الامريكية .. والذي حصد مقابل هذا التصرف غضب الإدارتين الامريكية والصهيونية .. بل وغضب ربائبهم من حكام العرب ..إنه الايمان بالحق وصحة الموقف وقرب زوال الباطل الأميركي المهيمن على الدنيا أوحتمية هذا الزوال عاجلا أم آجلا ..
والذي دفعه هو نفس الدافع الذي دفعه وهو يخوض انتخابات الرئاسة الماضية لاعلان الموقف الصارم الداعم لجهاد حزب الله والمقاومة اللبنانية ضد الغزوالاسرائيلي للبنان رغم أن حزب الله ذاته .. يشجع أطرافا مقاتله داخل بلاده ضد وحدتهاوسيادتها .. ولكنه كان يفرق بين الموقف المبدئي العربي الإيماني وموقف الخصم في معارك جزئية .. ولم يخضع كما خضع منافسه لابتزاز ومساومة أمريكا ولم يبع القضية المبدئية مقابل دعم موهوم من أعدائه ..
وهو نفس الدافع الذي دفعه ويدفعه مرارا لإعلان موقفه المبدئي الداعم لمقاومي العراق العظام ضد احتلال أرضهم وأعظم اجتياح وظلم وقهر في التاريخ الإنساني ..
>>>
وعموما فربما تحقق المراد من المبادرة أو لم يتحقق .. ولكن الشيء الهام فيها هو أنه برز من بين العرب من يخترق الفيتو الأميركي ويشعر الإخوة في فلسطين أن المروءة لم تذهب من العرب ..
>>>
من الناحية المقابلة يبدو موقف أحزاب اللقاء المشترك من انتخاب المحافظين كموقفه من كل شيء في اليمن وكموقفه من الحزب الحاكم وكموقفه المثبت من رئيس البلاد .. ويخيل إلى كل ناظر في مسلك قيادات المشترك .. أنه لو أن علي عبد الله صالح قال للناس يوما أن الشمس تطلع من المشرق .. لوقف قادة المشترك ليرفضوا هذه المقولة ويؤكدون للناس جميعا بألف وسيلة ووسيلة أن الرئيس علي عبد الله صالح يلتف على الهامش الديمقراطي .. ويخالف الاتفاقات المبرمة معه على مرأى ومسمع من الاتحاد الأوربي والإدارة الأميركية ..!!!إذكيف يمكن أن تطلع الشمس من المشرق دون اتفاق مسبق مع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوربي هذا هو المحال بعينه ..؟
>>>
انتخاب المحافظين خطوة في طريق الكمال لكنهم يريدون من الحاكم أن يعزل نفسه ويقدمهم مرشحين للمحافظات ويتم انتخابهم بالتزكية وإلا فبأي عقل يمكن أن يقبل إنسان أن انتخاب المحافظين خطوة ليست هامة في طريق الكمال حتى لوكانت اليوم تتم من خلال المندوبين المنتخبين الحاليين للمجالس المحلية ولكنه سيكون بعد سنين انتخابا مباشرا في المحافظات فهل على الحاكم أن ينتظر حتى تكون انتخابات المجالس المحلية محققة لطموحات المشترك وإلا فالخطوة تآمرا على الديمقراطية ويتطلب الأمر تدويلها .
ألم يعلموا أن المجالس النيابية والشوروية في الدول المجاورة كلها لا تزال تتم بالتعيين إن وجدت ثم إن تقدم البعض فيتم مناصفة بين الانتخاب والتعيين ثم يصلون الى الانتخاب الذي لم يصلوا إليه بعد للمجالس النيابية فقط ونحن خطوة واحدة بالانتخاب للمجالس المحلية والمحافظين ولم يرض سادة المشترك .. فتعسا لهم ..
وما أبعد مايذهبون اليه من المواقف ويحسبون أنهم يحسنون صنعا .. !!
إنه الفيتو المعكوس ..فيتو الباطل على الحق ومايقرب اليه .. مستعينين بالباطل ذاته .. ورأس الشر العالمي أمريكا .. فما أبعد الموقفين ..