;

في المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل .. التراث والتاريخ في محاضرة للإرياني .. الحلقــــة الأولــــــى 939

2008-04-30 11:51:08

أقيم مساء أمس بمركز الدراسات والبحوث محاضرة حول التراث والتاريخ اليمني.

ألقاها المؤرخ الدكتور/ مطهر الإرياني وبحضور كوكبة من المؤرخين وأساتذة التاريخ بجامعة صنعاء وعدد من أعضاء مجلس الشورى ووزير الثقافة الذين أثروا المحاضرة بعدد من المداخلات التي أشادت بدور الدكتور مطهر في المحافظة على التاريخ وتدوينه، وفي المحاضرة تحدث الإرياني قائلاً:

نقل/ إياد اليحري

لن يكتب تاريخ اليمن القديم أحد كما يجب أن يُكتب إلا أبناؤه من الدارسين المؤهلين، وهم على قلة عددهم، طاقة فعالة، وإلى زيادة إن شاء الله

وبحسْبهم فيما مضى، أن يعود الفضل الأول، إلى المستشرقين، في وضع القواعد والأسس المتينة ل"علم الدراسات اليمنية القديمة" وأصبح لزاماً عليهم اليوم، أن يكون لهم اليد الطولى، في استمرار بناء هذا العلم، ورفع أركانه، ليتم من خلاله كتابة تاريخ اليمن الحضاري، كتابة توفيه حقه، طبقاً للمناهج العلمية الحديثة والسليمة.

إن العمل في مجال علم الدراسات القديمة، فيه عمليات بعث وإحياء، وعمليات إنشاء، وعمليات إعادة بناء، فهو عمل صعب، ولكنه ليس مستحيلاً، بفضل تطور العمل العلمي وأساليبه وأدواته

ومن خصائص هذا العلم، انه لا يجتذب إلى ساحته، إلاّ أناسا أو أفرادا قيضهم الله له، وهيأهم للشغف به، فيسخرون أنفسهم لخدمته، ويبذلون اكبر الجهود، في سبيل الوصول إلى اصغر الحقائق، ويكابدون المشاق غير آبهين. . فعلى حين تكون بعض جوانب الماضي مضاءة على نحو جيد او مقبول فيسهل عليهم امرها، فإن كثيراً من جوانبه، تكون بين مشوش، وغائم ،ومعتم، بل وغارق في ظلام دامس، ومع ذلك لا يتوانون، عن خوض غمار هذا العلم وتجشم مصاعبه، وارتياد مجاهله

ولهذا فان خيارات هذا العلم المتاحة، واختيارات الدارسين منها، لا يلزمها الرضوخ للمقتضيات التي يفرضها او يفترضها المنطق النظري المطلَق والمقيد، بل عليها الاستجابة للمثيرات الموضوعية في الواقع، وللمنطق العملي بما فيه من (القوة)، التي يحولها الدارس الممتلك لأدواته، إلى (فعل) له سياقه المنطقي في مجاري العمل العلمي المتماسك، وعلى نطاق المحيط الكامل للموضوع، وفي إطاره الزمني العام والشامل

ولما كان (العصر السبئي الثالث) يختلف عن العصرين المتقدمين عليه، وعن العصر الرابع اللاحق له، وذلك من حيث وفرة مادته المرجعية التاريخية، وبخاصة كثرة النقوش المسندية العائدة اليه، وبصفة اخص إلى المرحلة الثانية منه. . فإنّهُ يُعد أحسن العصور إضاءة، وأوضحها رؤية امام الدارسين؛ والأمر هنا نسبي، فهو أكثر وضوحاً بكثير عما قبله، وأكثر بقليل عما بعده، وما من مرحلة من مراحل تاريخ الحضارات القديمة، إلا وفيها جوانب واضحة، وا خرى غامضة أو مجهولة.

واختيارنا لهذا (العصر) موضوعاً للولوج إليه عبر هذا (المدخل)، ليس إلا على أنه أفضل الخيارات المتاحة حتى اليوم، وليس في الاختيار حصر ولا قصر عليه، فكل عصر فيه مجالات، لا لكتابة الدراسات والبحوث فحسب، بل ولإصدار المؤلفات.

ان المسيرات التاريخية،قوافل تتبعها قوافل في مراحل تتبعها مراحل،وفي كل مرحلة تأثُّرات مما قبلها وتأثيرات فيما بعدها، فالتاريخ حلقات متداخلة،في سلاسل متواصلة.

واذا كان ماحظي به (العصر السبئي الثالث) من اضاءة حسنة، آت اولا من مصادره الذاتية فإن خيوطاً من الاشعة سقطت عليه مما قبله،بل ان خيوطا منها قد ترتد اليه مما بعده، وهذا وذاك ساعد صورته على هذا القدر من الوضوح وبالتالي فان كتابة تاريخ (العصر السبئي الثالث) لا بد ان تكون منطلقة مما قبله تأثرا وإفضاءً، وممتدة الى مابعده تأثيرا واستشرافاً وبذلك تكون كتابة محورية، مستوعبة للمرحلة، ومستقطبة للمسار كله، وتصبح كتابة التاريخ الكامل والشامل لهذا العصر، هي الخطوة الأولى المباشرة لكتابة تاريخ اليمن القديم كله، على أعلى درجة ممكنة من الكمال والشمول

ان هذا (المدخل) ليس إلا محاولة للفت الأنظار، إلى ما يعرفه كل الدارسين المؤهلين، من الامكانية المرجعية المتاحة، لكتابة تاريخ هذا العصر، كتابة تفصيلية وافية، تشمل جميع جوانب الحياة العامة، وما لهذا الجانب او ذاك من الخصوصية او وضع خاص، في حياة الانسان اليمني القديم في إطار حضارته القديمة، ايماناً بأن انجاز عمل كهذا، يعتبر عملاً وطنيا ملزماً لكل قادر عليه، قبل أن تعوقه العوائق عن الاضطلاع به.

اما ما فيه من افكار، قد يبدو بعضها للبعض جديدا، فليست إلا خلاصة موجزة هنا اشد إيجازٍ، لآراء لم يتم التوصل اليها، إلا عبر عقود من الاهتمام بالعمل في هذا الميدان، ونرى أن منها ما يمثل (المفاتيح) الضرورية، التي يجب أن يمتلكها من يتصدى من الدارسين للعمل في مثل هذه المهمة، وذلك حينما تصل قناعته بها، او بهذه او تلك منها، إلى مثل ما لدى كاتبها من قناعة اطمأنت اليها نفسه كل الاطمئنان.

لقد تم الوصول إلى هذه الأفكار والآراء من خلال البراهين العلمية، والأدلة القوية، والقرائن الواضحة، والاستنتاجات القائمة على الربط والمقارنة والتعليل والتحليل والاستنباط، فكان لكل فكرة او رأي النصيب المقنع من هذه الوسائل، بما فيها ما تم الوصول اليه بالقرائن او بالاستنتاج، بناءً على المعطيات القائمة.

وبناءً على هذا التوضيح، نفضي اولاً: إلى بعض (المفاتيح) العامة، أي التي ليس استعمالها والاعتماد عليها، مقصوراً على العصر الذي نحن بصدده، بل هي شاملة له ولسائر العصور

فنورد في البداية، التعريفات التي نراها، لثلاثة اسماء رئيسية، في تاريخ اليمن كله، وهذه الأسماء هي:

(سبأ) و(حمير) و(كهلان) وتحتها تدخل سائر التسميات والكيانات، بما فيها تلك التي تربع على قمتها ملوك.

سبأ. . اسم الكيان الاجتماعي اليمني الأكبر، الذي تطور حتى تربعت على رأسه الدولة اليمنية الجامعة، وهي (دولة سبأ) من دولة مكربي سبأ، ثم ملوك سبأ، ثم ملوك سبأ وذي ريدان، ثم ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة، إلى ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم طوداً وتهامة

فما إن أذنت قوانين الحياة، وسنن التطور، للناس في هذه البقعة من العالم القديم، بالانتقال من حالات الحياة البدائية المُتَعيِّشة، والبدوية المترحلة، إلى مراحل الاستقرار الحضري، والحياة الحضرية المتطورة، حتى استقبلت البيئات المناسبة، من وديان اليمن وسهوله، ومناكب جباله، أولى الخلايا الحية للاستقرار السكاني.

وبفضل البيئة، والمناخ، وعوامل التطور، نمت هذه الخلايا، وتشابكت علاقاتها على أساس من المصلحة الحياتية الأولية، والمصالح المشتركة والمتبادلة، التي يتطلبها نشوء الحياة الاجتماعية الحضرية المستقرة.

ونظراً إلى ما لوديان اليمن من الأهمية الخاصة في هذا المجال، فإن الوديان الكبرى، شهدت عمليات التفاعل والاندماج بين الخلايا، لتكوِّن الوَحَدات الاجتماعية الكبيرة، والتي ستوصف في المراحل التاريخية، بانها حميرية ، أي: حَضريَّة زراعية متطورة؛ ومن هذه الوحدات، تشكلت في أهم الوديان، الكيانات الاجتماعية الاساسية، التي ستواصل عمليات الاندماج، ليتركز التفاعل الاجتماعي حول الكيان المحوري الأكبر منها لأنه سيكون هو الأقدر على الجذب والاستقطاب والصهر والتمثُّل، لكي يولد من خلاله المجتمع اليمني بصفاته وسماته، التي ستتَحَدد بها شخصيتُه، ويأخذ الشعب منها هويتَه.

لقد حدثت هذه التطورات عبر مسيرة الإنسان الطويلة، في عصور ما قبل التاريخ ولم تكدْ العصور التاريخية تشرف على الظهور، إلا وقد تركزت عملية التفاعل الاجتماعي، على الساحة اليمنية، حول كيانها المحوري الأساسي الخاص.

ولما كان (وادي أَذَنة) هو "ميزاب اليمن الشرقي" وأحد أكبر وديان اليمن، فإنه بصفته الذاتيه هذه، وبفضل ما توفر له من شروط أخرى، قد شهد ميلاد هذا الكيان المحوري الأساسي، على الساحة اليمنية؛ وهو كيان (سبأ) والسبئيين.

إن التعرف على (سبأ) من خلال النقوش المسندية، والتعريف بها، هنا ومن هذا المنطلق، ليس تكراراً لما جاء لها من تعريفات في كتب التراث، والمراجع القديمة، فتلك التعريفات متاحة للدارسين، ليعودوا إليها في مراجعها عند الحاجة.

والحقيقة هي أن التعريف بها هنا، ليس إلا محاولة لابراز أهم ملامح الصورة، التي ترتسم لها في اذهان الدارسين من المهتمين والمتخصصين، وذلك من خلال " علم الدراسات اليمنية القديمة" الذي اصبح علما قائما بذاته يسير نحو الكمال الممكن. . ولاشك أن المادة المعرفيه، التي تقدمها النقوش المسندية وما بُنِيَ عليها من الدراسات، ثم ما يوافقها، ويتواءم معها، ويتجاوب مع منطقها مما يأتي في المراجع التاريخية الأخرى، هي الاساس الذي ترتسم من خلاله هذه الصورة في أذهان ذوي المناهج العلمية السليمة. .

أما محاولة إبراز هذه الصورة، فإنه عمل يحتاح إلى دراسة موسعة، ولهذا يمكن الاكتفاء هنا بالقول: إن المجتمع (السبئي)، شكل منذ البدايات، الكيان المحوري الأول، الذي نسج حوله اليمنيون كينونتهم الاجتماعية، وشخصيتهم الشعبية، ومنه أخذ اليمنيون هويتهم الوطنية الاولى.

لقد نشأ المجتمع السبئي، في أعالي أذنةK وعبر الامتداد الواسع لروافده وصعودا في مآتيه، وروافدها وعلى ضفاف هذا الوادي، وعبر ما يكتنفه من السهول، فأهلته هذه البئية الطبيعية، لأن يكون مجتمعاً محورياً قويّاً، وساعدته على التفاعل الإيجابي في نطاق محيطه الغني والواسع، ثم على نطاق مجاله الحيوي الأوسع على الساحة اليمنية؛ وقدم له المحيط والمجال كل العوامل المساعدة على التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، حتى تأهل لأن يكون الكيان الأول الذي تتربع على رأسه الدولة، فتربعت على قمته (دولة سبأ)الممثلة الاولى للشعب اليمني.

وبذلك ازداد هذا الكيان ثقلاً، من الناحيتين المادية والمعنوية، فتنامت قدراته على الاجتذاب والاستقطاب، ثم على الصهر والتمثُّل، واكتسب بهذا وذاك، صفةً تمثيلية شاملة للمجتمع اليمني بعناصره الحضرية الحميرية السائدة، وبكل فئاته الاجتماعية المساندة، ولسلطته ذات الشرعيتين: الشرعية الخاصة بالدولة ذات السيادة، والشرعية العامة للدولة الأم، على سائر ما عداها، وتلك هي (الشرعية السبئية)). )

فلا غرو إذاً أن يقال: إن تاريخ اليمن القديم، هو تاريخ (سبأ) من أول لقب للحكام وهو (مكرب سبأ) إلى آخر القابهم وهو (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانه واعرابهم في سراة طود وتهامتها) حيث لا نجد إِطِّراداً لكلمة في جميع أسماء الدول، مثل اطراد كلمة (سبأ) منذ بداية التاريخ اليمني القديم وحتى نهايته، مما يمكن معه القول إن المجتمع اليمني القديم هو اولا واخيرا مجتمع (سبأ) والشرعية اليمنية الأولى هي شرعية (سبأ)، وانها الشرعية التي سادت الساحة اليمنية كلها.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد