;

الفقراء عندما ينهشهم الجوع 1069

2008-04-30 11:57:39

بدر عبد الملك

يبدو أن الروائي البرازيلي جورج امادو وقبل ما يقرب من نصف قرن عندما كتب روايته الشهيرة «دروب الجوع» والتي أحداثها التاريخية ابعد من ذلك الزمن، حيث كانت البرازيل بلدا عبوديا وعمل العبيد في مزارعها تحت السياط وعاشوا حالة الهروب من ذلة الضرب والاهانة والتجويع، وكأن جورج امادو كان يتنبأ بالمدن البرازيلية الجديدة وأحياء الصفيح المرشحة للانفجار الشعبي.

خاصة بعد أن تحولت و تلوثت مدنهم بكل شيء وكأنما حضارة القرن المنصرم تغلق الأفق مبكرا، فازدادت رقعة الفقر والجوع، وبدلا من حل المعضلات توجهت البرازيل للطاقة الحيوية كنموذج حيوي لأزمة الغذاء، التي تواجه العالم اليوم في أغلب البلدان النامية، بل وامتد تأثيرها على البلدان الغنية بهذا القدر أو ذاك، لكن الأزمة تبقى أكثر تجذرا وتأثيرا على ملايين الفقراء في الدول الأشد فقرا في الدول النامية عن سائر البلدان نتيجة مستوى التطور الاقتصادي والمعيشي ولواقعها الجغرافي والزراعي.

ولكن أزمة الغذاء التي يتحدث عنها الجميع لم تعد حريقا في تلك البلدان وحدها، بل ودفع البلدان المنتجة للحبوب أن تعيد نظرتها الإستراتيجية في مخزونها الغذائي، خاصة بعد أن بدأ المناخ يؤثر على كوكبنا خالقا فيضانات وحالة جفاف وتصحرا شديدا في ذات الوقت، فكان الضحية الأولى من جراء ذلك التدمير البيئي المحاصيل الغذائية.

مما أدى في نهاية الأمر إلى التراجع في الكميات المطلوبة للأسواق الخارجية والاستهلاك الداخلي، فهل بإمكان دول كبيرة كالهند والصين بعد أن تحسنت ظروفها المعيشية وتقدمها التنموي التضحية بشعوبها بحثا عن عملات صعبة في الأسواق العالمية بعد أن أصبح لديها بدائل وإمكانيات متنوعة في تنميتها الداخلية؟

بالطبع مثل تلك الدول التي لا تزال تفكر باستقرارها الداخلي وبتحسين وضع شعوبها لا يمكنها أن تدخل في أزمات حادة كالفوضى العارمة الداخلية بين السكان حال تعرضهم إلى ظواهر سيئة، ليس كالفقر وحسب وإنما بلوغ حالة التجويع والبقاء على حافة الهاوية، فمثل تلك الأوضاع التراجيدية لا يمكن أن يقبلها ساسة عقلاء يديرون بلدانهم بحكمة ورؤية إستراتيجية وبتوازن دائم في تنميتهم السكانية والغذائية. لهذا بلدان غزيرة الإنتاج وأكثر تصديرا للخارج بدأت تعيد النظر في سياساتها، إذ لا توجد ضمانات اليوم أن تبقى الطبيعة «طيبة وهادئة وصامتة» تغرقنا بحبها الدائم، فقد باتت تلك البلدان على موعد منتظم مع الفيضانات المدمر للمحاصيل ومعرضة لحالة التصحر المستمرة، فهل تبقى الأرض والزراعة ضحية وعدوا لقوت الإنسان؟

خاصة لدى شعوب تستهلك الحبوب الغذائية، وفي ظل كثافة سكانية تعد بالملايين ظلت تعيش بفكرة «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» إذ الغيب هنا قاتل للبشر وبصورة جماعية تذكرنا بعصور المجاعات التي كانت تجتاح البلدان والحضارات.

ولكي لا تقع الإنسانية في مآزق وأزمات من هذا القبيل بدأت تفكر بأهمية الحفاظ على المخزون الغذائي استعدادا للازمات الطارئة، فشحت الأسواق المستهلكة وانخفض العرض من تلك المواد أن لم تقبل بالأسعار الجديدة القادمة من تلك البلدان التي كان عليها كبلدان منتجة أن تستعيد الأموال الطائلة التي تذهب من خزينتها نتيجة استيراد النفط المرتفعة أسعاره بصورة جنونية خالقا حالة عدم استقرار.

مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الدولية من الجانب الآخر لوجه الأزمة الخفية. ذلك الاختلال الواضح دوليا بين العملية الإنتاجية والتوزيع في النفط والمواد الغذائية أعاد ضرب جرس الإنذار وإيقاظ العالم النائم في سبات الرفاهية بين بلدان تنعم برخاء اقتصادي كبير وبلدان تغرق في الحروب والفقر والبؤس الحياتي والاقتصادي، وبلدان أصبحت مديونة وأخرى بسبب الفساد الأخلاقي والمالي أدخلت بلدانها في أوضاع سيئة للغاية.

خاصة على مستوى عدم قدرتها بل وفشلها في تأمين الغلال الإستراتيجية التي تهم حياة الغالبية العظمى من شعوبها، فبلدان من نمط العراق والسودان ومصر والمغرب والجزائر وغيرها كان ينبغي عليها أن تكون دولا مصدرة وغنية بالغلات الزراعية والحبوب، ولكنها للأسف الشديد وجدت نفسها عاجزة أمام هذا الوضع العالمي المتأزم بأوضاع عدة عن حل معضلة جوهرية تمس غذاء الناس، بل ووجدت نفسها مضطرة أن ترفع أو تفكر بجدية في رفع الدعم عن المواد الأساسية المتعلقة بحياة الناس، مما رفع من حالة التوتر السياسي الداخلي، واحتمال أن يتصاعد السخط في أية لحظة مفاجئة.

أمام هذه الأزمة العالمية وقف العالم مندهشا ومتسائلا ما الذي سيحدث أكثر خلال السنوات القادمة؟ فلم تجد الأمم المتحدة ومنظماته (كالفاو) إلا الجلوس والنقاش العاجل بوضع حلول سريعة مناشدة العالم بالدعم العاجل لتنمية الزراعة في بلدان عدة، ولكن نشطاء أميركا اللاتينية تحركوا بسرعة فشكلوا كتلة صغيرة بين فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا وكوبا وبدأوا مشروعهم بمبلغ مئة مليون دولار للصندوق كدعم للمشاريع الزراعية تحاشيا للأزمات والانطلاق نحو المستقبل، وما علينا نحن الدول العربية إلا التحرك بسرعة فلدينا ثلاثة مقومات كبيرة للنجاح في مجال الثورة الزراعية، فلدينا الجغرافيا الكبيرة في المساحات والصالحة للزراعة ولدينا أيضا المياه والأراضي الخصبة للزراعة خاصة العراق ومصر والسودان والمغرب وسوريا.

وثالثا وهو المهم لدينا دول نفطية غنية بإمكانها أن تستثمر في هذا المجال وتسترد أموالها بأرباح مجزية، خاصة وان الدول النفطية كليبيا والجزائر وبلدان الخليج المساهمة الفاعلة في هذا المشروع الاستراتيجي الهام، بل وستكون البلدان العربية قادرة على التصدير لبلدان بحاجة للمواد الغذائية.

حان الوقت للتحرك نحو خطوات عملية وإلا ستضطر شعوب عربية عدة أن تنزل للشارع، فالجوع كافر إذ بإمكان الإنسان أن يعيش مع الفقر ولكنه لا يستطيع أن يقاوم الجوع.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد