نجلاء عبد ربه - غزة
إذا كان الوطن أغلى ما يملكه أبناؤه ، فالفلسطينيون لهم وضع يختلف عن باقي شعوب العالم، حينما يشعر المواطنون أنهم غرباء في وطنهم الذي مزق جسده اقتتال داخلي، من هنا كانت الهجرة حلمًا يراود الشباب الفلسطيني وخصوصًا أبناء قطاع غزة.
قد يقول قائل إن هذا الأمر قد يكون هروبًا من واقع ورفض العيش فيه. . !؟، لكن آخر يرى أن البحث عن حياة أفضل، أو عن رزق وعمل في بلد آخر، وخصوصًا أن هذا الأمر صار شيئًا مستحيلاً في الأراضي الفلسطينية. . !؟ لكن للجميع أسبابه، وفي كل الأوقات والأزمان تعددت أسباب هذا الحلم لكن النتيجة واحدة "الهروب" من غزة.
"أيمن" شاب يبلغ من العمر 35 سنة أي في مقتبل العمر يقول ل "إيلاف "، والآه تكاد تصرخ بداخله "أتمني أن استطيع انقاذ ما يمكن إنقاذه من عمري، وأتمنى أن أرى الراحة النفسية تملأ قلبي، أحلم بأن اهرب بزوجتي وأطفالي الاثنين بعيدًا عن تلوث هذه الأجواء، احلم بتربيتهم تربية سليمة وأعلمهم المحبة والحنان والاحترام، أعلمهم بأن يحبوا لغيرهم ما يحبونه لأنفسهم"
"ما بقي من العمر قد ما راح" عبارة بدأ الحديث بها "أبو رامي" البالغ من العمر 67 سنه فيقول ل "إيلاف" " نفسي أعيش الباقي من عمري وأنا مرتاح، وأتمنى أن ارى أيامًا جميلة على الرغم من جمال الحياة".
ويضيف أبو رامي " حتى العلاج الضروري بالنسبة إلي أصبحت أذوق المر لكي أجده، فأي حياة هذه التي تتحدثون عنها، إن أشبه حياتنا نحن في فلسطين بالموت السريري، فيد يشدها الموت واليد الأخرى تتمسك بالدنيا، لكن لو باستطاعتنا لتمسكنا بالموت لعلنا نجد الراحة التي نبحت عنها إذا كانت في الموت راحة".
ويحاول الجيل الشاب الفلسطيني البحث عن حياة أفضل في أي بلد كانت غير بلده، فمن بطش الإحتلال الإسرائيلي إلى سطوة الجلاد الفلسطيني، يعيش الشباب بين ناري إسرائيل وأكبر فصيلين فلسطينيين متناحرين "حركتي فتح وحماس"، ويبقى هذا الشاب يراوح مكانه، وتتوقف حياته العملية بالكامل، فيما يمضي عمره دون أن يستطيع تكوين مستقبل له.
ويحلم الشاب الفلسطيني أن يعيش جزءًا من حياته وسط هدوء أو استراحة، إلا أن آلة البطش الإسرائيلية والتناحر الفلسطيني الداخلي حالت دون ذلك، وأصبح النفور من الوطن هو عنوان كل شاب تتحدث معه إيلاف، حتى أرباب الأسر من الفئة العمرية 40 - 50 عامًا، يحاولون الابتعاد عن مسقط رأسهم. يقولون نحاول أن ننأى بأولادنا عما يجري هنا.
حالة المواطن "أبو المعتصم" من نوع آخر فالأسباب هنا تختلف، لكن تحمل المضمون نفسه، والسبب وراء هذا المضمون يقول أبو المعتصم الذي يبلغ 45 سنة " عندي من الأطفال ستة أولاد أحلم بأن أراهم في اعلى المراتب العلمية، أبني الأكبر يدرس الطب في "الجامعة الإسلامية" وكما نرى التوتر يسيطر على مجريات الأمور داخل قطاع غزة، فكل يوم تعلق الدراسة أو لا توجد مواصلات، أو. . . هذا كله يؤثر في نفسية ابني ويقلل من حبه ليكمل المشوار الذي بدأه، فهو الآن في السنة الثانية، وللأسف لا يملك حتى هذا الوقت الهوية الفلسطينية، فنحن نازحون كنا نعيش في دولة عربية ورجعنا لكي نكمل حياتنا في بلدنا الحبيب مع دخول السلطة الفلسطينية، الذي طالما حلمنا أن نعيش حياة الاستقرار فيه، وفي وقت سابق حصلت أنا على الهوية الفلسطينية لكن زوجتي والأولاد لم يحصلوا عليها بعد، مما يضيق الخناق حول خيارات عديدة أخرى يمكن أن أفكر بها، ليكمل ابني سنواته الدراسية بهدوء وراحة، وإحدى هذه الخيارات أن أرسله لأي دولة عربية يكمل بها دراسته ويحضر الماجستير الذي هو حلم حياته، كما ويكمل جميع أبنائي تعليمهم أيضًا بعيدًا عن كل ما يحصل حولهم هنا في بلدنا الحبيب فلسطين.
وإن كانت إسرائيل هي السبب الأساسي لتلك الهجرة، فإن ما فعلته حركة حماس في غزة بعد سيطرتها على قطاع غزة منتصف حزيران الماضي، فاق توقع الجميع، فأخذت تضيق الخناق على كافة المواطنين دون سواء، ما عدا بالطبع عناصرها ومؤيديها، وأصبح كل فلسطيني سواء شاب أو فتاة، هدف لهما لينكلا به أمام عيون أهله أو زوجته أو أطفاله. مما حذا بعشرات الآلاف من المواطنين التفكير جديًا بالخروج قسرًا مما يعانوه في قطاع غزة.
ويتوقع مراقبون فلسطينيون ان يخرج أكثر من مئة ألف شاب من سكان قطاع غزة، في حال سمحت مصر لهم بالمرور من أراضيها لدول أخرى.
علاء أبو ماضي "48 عامًا" يحاول منذ عدة أشهر البحث عن فيزا عمل أو زيارة لأي دولة أوروبية للعيش هناك هو وباقي أسرته، يقول ل إيلاف "لن يهدأ لي بال إلا عندما تحط قدمي أرض غير فلسطين، فالحياة هنا لا تطاق، وجحيم حماس اكثر قسوة من إسرائيل، هم يعتقدون أننا كفار، بينما لا يدركون أنهم خوارج، هم عندهم من يفتي ويجيز قتلنا، بينما نحن نخشى الله في ذلك".
أيمن ووليد، صديقان خرجا عندما نسفت حركة حماس الحدود بين مصر وقطاع غزة، ودخل مئات الآلاف من الفلسطينيين مدينة العريش، إستطاعا هذان الشابان أن يصلا القاهرة ويسافرا إلى دولة خليجية، أنهما لن يعودا أبدًا إلى بلدهما، فواحد كان قد سجنته حماس وأذاقته مرارة التعذيب البدني، الآخر قتلت حماس احد أقرباءه وسط عائلته، دون شفقة أو رحمة.
حال هذان الشابان يتمناها الآن كل الشباب في قطاع غزة على وجه التحديد، غير عناصر حماس، وكما يقول العشرات منهم، رصاصة إسرائيل شرفًا لنا وفخرًا، بينما رصاص حماس هو غدر الأخ لأخيه. . . . !.