هاني عبدالحميد كرد*
لقد كثر الكلام هنا وهناك في الصحف والمنتديات عن قضية إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولست أدري لماذا هذا الخوف الشديد من إنشاء هذه الهيئة. فهذا يكتب احذروا هذه الهيئة ، وهذا يكتب لاداعي لها ، وهذا يقول كذا وهذا يكتب كذا مع العلم أنها سوف تكون هيئة تابعة للدولة عليها نظام وهيئة ورقابة وضوابط وقوانين تسيّر العمل فيها. . لماذا هذا الخوف وهذا الهجوم على هذه الهيئة التي لم تُلد بعد؟.
وانأ ارجع هذا الهجوم إلى نقطتين هما :
* إن من يهاجم هذه الهيئة خائف لأنه واقع في فساد يخشى أن تطاله هذه الهيئة. . إما أن يكون مستورداً للخمر أو يملك فنادق تبث أفلاماً جنسية أو أنه قد تأثر بما يكتب عن الهيئة والهجوم الشرس ضد إنشائها وأنها سوف تقوض الاستثمار وتضيق على الناس وستتدخل في خصوصياتهم.
* أم أنهم يهاجمون هذه الهيئة لأنها فكرة فخامة الوالد المشير/علي عبدالله صالح الذي وجه قبل هذه بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، فهذه الهيئة إلى جانب هيئة الأمر بالمعروف والنهي على المنكر سوف تضيق الخناق على هؤلاء المفسدين ، ونحن نرى الفساد قد انتشر في كل مكان في الجامعات وفي مرافق العمل وفي الأسواق والمجلات ووسائل النقل. يسافر المسافر في الطريق وهو بين يدي الله لايدري ماهو مصيره ويأتي السائق ويقوم بتشغيل فيلم فيه إثارات جنسية كما حصل معي عندما عدت من صنعاء إلى عدن يوم الخميس الماضي تاريخ 12/6/2008م في أحد باصات الرويشان. . أليس هذا من الفساد الذي يحتاج جهداً لإنكاره؟
نعم الفساد الأخلاقي منتشر ليس من الآن حيث تشير الدراسات العربية وحتى الغربية في التاريخ والاجتماع إلى قدم الفساد الخلقي الذي كان من أسباب انهيار الحضارات القديمة، وتشير دراسات أخرى إلى غزو خلقي قديم على العالم الإسلامي من خلال حقب التاريخ المتعاقبة في المجتمعات الغربية، خاصة التي كان لها صلات سلمية وحربية وكذا علاقات تجارية وثقافية مع المدن الكبرى في الخلافة الإسلامية.
وليس ثمة غرابة في غزو خلقي قديم ما دام أن الإسلام يتضمن ثقافة وحضارة حيث يتحدى الثقافات والحضارات الأخرى، ولقد اختلفت أخلاق الكثير من المسؤولين في هذا العصر ولا أقول عوام المسلمين حتى عند بعض العلماء والمثقفين على الرغم من اكتشاف حقائق تعاليم الإسلام نتيجة لتقدم العلم في جوانب الحياة عند من له بصيرة، ورغم ذلك تغير شأن الأمة الإسلامية في هذا العصر وشاع الفساد في العلاقات الاجتماعية بين بعضهم البعض، حيث نرى كثيراً من صور الفساد التي منها التبرج والسفور والاختلاط وانتشار الزنا عن طريق الفنادق وبعض الأماكن التي تدعو إلى ذلك وكذا انتشار الخمور وقطيعة الرحم والكذب والغيبة والنميمة والحسد والحقد والكبر والظلم والرشوة والفساد المالي والإداري في مرافق الدولة، وقبل هذا كله انتشار ظاهرة سب الذات الإلهية والرسول وكذا سب الصحابة كما هو منتشر عند الشيعة الرافضة وكثير من أبناء المسلمين بسبب الغزو الفكري، فماذا يريد من يهاجم إنشاء الهيئة ويقول لا داعي لها وأن واجب الأمر بالمعروف يجب على كل فرد وأن الرئيس هو المعني الأول بهذا الأمر؟ فهل يريد هؤلاء من الرئيس أن ينزل لينكر المنكر في كل مكان أم أن الحل هو إنشاء هذه الهيئة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن الله لينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن".
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له أثر بين وواضح في سلامة المجتمع من الانحراف وإبعاده عن العوامل الهدامة لكيانه وحمايته من الفساد والشرور التي تفكك كيانه وتمزق وحدته وتسلب منه الأمن والطمأنينة.
إنه بمقتضى هذا الأصل العظيم من أصول الإسلام يتعاون أفراد المجتمع على دفع الشر عنه والتواصي بعمل الخير، ولا يخفى ما في ذلك من صلاح له واستقامة لحاله، فلا صلاح لمجتمع في الأرض إذا لم يشعر أفراده بمسؤوليتهم تجاه الآخرين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أرقى صور المسؤولية بل هو جماع الفضائل كلها، وهو مبدأ إصلاحي هام للمجتمع فبه يكون لجماعة المسلمين رأي عام يقف في وجه كل شر وفساد مهما كان مصدره أو من يقف خلفه ويدعمه وإن كل فرد في المجتمع لو قام بنصيحة الآخر دعوة وأمراً لمعروف ونهياً عن منكر لامتنع فشو المنكر فيهم واستقر أمر الخير والمعروف بينهم.
ومع الجهود الفردية التي ذكرت من الضروري أن يكون هناك جماعة تدعو إلى المعروف وتنهى عن المنكر ولا سيما في هذا العصر، وتكون لها سلطة شرعية تعينها على أداء الواجب نحو المجتمع، لأن الدعوة إلى الخير يمكن أن يقوم بها أحد الناس، ولكن الأمر والنهي لا يظهر أثرهما الفعال إلا من ذي سلطان. . وللحديث بقية.
* مدير الوعظ والإرشاد بلحج