;
عبدالعزيز خليل المطوع
عبدالعزيز خليل المطوع

گــاد لاعب الگـرة أن يگــون رسولاً !! 1698

2008-08-11 06:11:16


لو أن أمير الشعراء أحمد شوقي طال به الأجل إلى يومنا هذا، فإني أكاد أجزم بأن هذا الشاعر العملاق كان سيتردد ألف مرة قبل أن ينزلق إلى تشويه مكانته الأدبية، بإنشاء قصيدة في مديح شخصية لا يكاد المجتمع العربي يلقي لها بالاً، ناهيك عن أن يصل به الأمر إلى اختلاط الأمور عليه برفع مقام هذا الشخص إلى درجة «أن يكون رسولاً»؛ لما كان سيرى من الحال الذي آل إليه صاحب أسمى رسالة في الحياة بعد النبوة.

فإذا بصروف الزمان العربي تصل به لأن يكون شخصية هامشية ونسخة مختزلة ومحزنة من حال أمته التي تعاني من كل الأسقام المزمنة، بدءا بمستوى المعيشة الذي يعتمد على أجر شهري لا يوازي عشر معشار ما تتقاضاه سكرتيرة تنفيذية أو مذيعة في محطة للتلفزة، وانتهاء بالمكانة الاجتماعية التي يفضله فيها لاعب كرة قدم بأحد فرق الدرجة الثانية.

بلغ الحال بمهنة المعلم ان يهجرها أهلها وخاصّتها، إما هجرة بلا عودة إلى أي حرفة تحفظ ماء الوجه، وإما موتا بطيئا على طريقة الأفيال في مقبرة المعاش التقاعدي؛ ثم لا يبقى من يمتهن التعليم من بعدهم إلا من لا مهنة له، ومن يرتزق من أجرها ومن مكانتها الاجتماعية المزهود فيهما كليهما، وهؤلاء هم من يقودون اليوم قاطرة المعرفة والتربية والأخلاق بنجاح منقطع النظير.

ومعهم كل الأجيال القادمة لهذه الأمة إلى هاوية لا قاع لها؛ ومن ورائهم يأتي من يحتكرون الاستثمار التربوي في منافسة شرسة مع الأجهزة الحكومية المترنحة، ليحيلوا التعليم من رسالة نبيلة إلى مزاد للجشع والمكاسب السريعة، لا همّ لهم إلا زيادة الإيرادات والأرباح إلى أعلى المستويات الممكنة، على حساب تقليص جودة الخدمة ويقظة الضمير ومصالح المجتمع ومصير الأمة.

إنه في الوقت الذي تعيش فيه قطاعات عصرها الذهبي، كالعقارات والسياحة والرياضة والفن «الهابط»، فإن التعليم العربي يعيش عصره الفحمي، ويأتي على رأس أسوأ ما في منظومة التعليم بكاملها، ذلك «الرسول» الذي نصحنا أحمد شوقي بالوقوف له تبجيلا، والذي ما كان ليفعل لو أنه رأى كيف أن طلبة هذا المعلم وأولياء أمورهم هم آخر من يبجله ويوفيه قدره، ولما كان سيلمس من التعشيش العنكبوتي الذي تلقاه قضية هذا الإنسان وهو يصطلي بنارين، الأولى: إهمال المجتمع وأجهزته لدرجة الانتقاص؛ والثانية

الاضطرار للعمل في بيئة يشاركه فيها أدعياء ومنتحلون لمهنته الشريفة، وينافسونه فيها منافسة غير شريفة لجني الأموال بالممارسات اللا أخلاقية واللا مهنية، كتقديم الدروس الخصوصية وتحويل المعرفة إلى مختصرات وملخصات، وتسريب أسئلة الامتحانات ثم تغشيش الطلبة الإجابة في قاعة الامتحان والتلاعب مع ذلك بالدرجات.

إن الاهتمام بالمعلم اهتماما فوق المعتاد مسألة لا نقاش فيها، وهو يفوق درجة الاهتمام بالسياسيين أو العسكريين في أي مجتمع، بل يفوق الاهتمام بشبكات الطرق والمياه والطاقة، ليس امتيازا شخصيا للمعلم، بل هو في الحقيقة جزء من حقوق الجيل الناشئ في أي مجتمع ومتطلبات بنائه.

وأيضا هو جزء من حقوق قطاعات المجتمع بعضها على بعض وهي تتلهف لاستقطاب الكفاءات من المخرجات التي تنتجها المنظومة التعليمية. ومن هنا تصبح الاهتمامات بالمعلم متعددة، ولا تقتصر على الجانب المادي أو الاقتصادي للمعلم ممثلا في أجره الشهري، وإن كان هذا الجانب هو أحد أهم تلك الاهتمامات الحيوية، بحيث لا يمكن للتعليم أن يتطور إلا بتوفير الحياة الكريمة واللائقة بالمعلم.

هذا الاهتمام يتلازم معه اهتمام آخر، يتمثل في الاهتمام المهني والفني، فالتعليم مهنة لا يجب أن يتجرأ من الاقتراب من حرمها المقدس إلا المؤهلون تأهيلا أكاديميا ومهنيا وأخلاقيا ونفسيا، وهذا يقتضي تطوير مهنة التعليم باستحداث نظام للترخيص المهني، لا يمنح إلا لمن يجتاز الشروط المطلوبة في أعلى مستوياتها.

ولمن يحسن استخدام الوسائل التعليمية المتطورة، ولمن يطلع على أحدث المستجدات التربوية والمعلوماتية؛ وهذا الترخيص يجب أن يجدد من فترة لأخرى لكي يبقى المعلم مواكبا لعصره، ولكي تكون المخرجات التي يعمل على تطويرها مواكبة لمستجدات عصرها.

إن المجهودات الفردية القائمة على المبادرة الذاتية والوازع الأخلاقي والتطوعي، تبقى دائما ضعيفة وقد تتبخر مع خفوت جذوة الحماس أو الدافع عند صاحبها، وهذا لا يتناسب مع مسؤولية التعليم التي هي بطبيعتها حاجة اجتماعية مستمرة بلا نهاية ومتزايدة مع مرور الزمن، وإذا لم يحتوها إطار مؤسساتي منظم فلن يستفيد المجتمع منها بالقدر اللازم.

كما أن الأجهزة التعليمية داخل المنظومة التعليمية ليس من واجبها رعاية المعلم كمهني، فهذا لا يتأتى إلا من خلال اتحاد أو نقابة للمعلمين ترعى شؤون المعلم وتتابع اهتماماته، وتربطه بأجزاء المجتمع الإعلامية والاجتماعية وتدافع عن مصالحه أمام كل الجهات.

وتساهم في تطوير مهنة التعليم بجميع مستوياتها الأكاديمية لتصل بها إلى أن تصبح محور اهتمام المجتمع ورأس أولوياته؛ وهذه النقابة يجب أن تحظى برعاية جميع قطاعات المجتمع رعاية مالية ومعنوية، لا أن تقتصر على دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولأن المعلم يحتل مكانة الضمير في المجتمع، فهذا يتطلب أن يحظى بالمكانة التي يجب أن يحاط بها ذلك الضمير لكي يبقى نابضا ومتيقظا ومرآة صادقة، فإنه يجب أن يبقى في بؤرة الاهتمام من خلال تخصيص مساحة مناسبة له في الوسائل والأجهزة الإعلامية (وليس صفحة أسبوعية متواضعة كصنيع بعض الصحف، في الوقت الذي لا تمل فيه كل الوسائل الإعلامية من تلميع صور الفنانين المتسخة ليل نهار).

وأن تفتح أمام المعلم قنوات وبرامج إبداعية أوسع لتواصله مع المجتمع، وإعطائه أفضلية في جوانب حياتية عديدة (كتلك التي يحصل عليها الدبلوماسيون وغيرهم من المميزات المالية والاجتماعية)، باعتبار ذلك اعترافا متواضعا بالجميل يرده المجتمع إلى المعلم، لا باعتباره حوافز لاجتذاب الكفاءات إلى حقل التعليم فقط.

لو استطاع المجتمع العربي أن يكرس جهوده من أجل بث الروح في هذه الاهتمامات، فلربما أمكن لأمير الشعراء، بعد عقد أو عقدين من الزمن إذا ما أتاحت له المشيئة الإلهية، أن يفيق من غفوة الموت لوهلة حتى يكتحل ناظره بما يسره من حال المعلم، وحتى يرسل من عوالم الغيب قصيدة تعيد للمعلم البريق الذي اختطفه منه الفنانون ولاعبو الكرة. <

* كاتب اماراتي

 

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد