طه العامري
أسوء البشر وأكثرهم رخصا وانحطاطا هم أولئك الذين يكتمون _الحقيقة _ بذريعة الخوف من هذا الطرف أو الخشية من تلك الجهة، ويزداد الأمر ازدراء حين يتصل الأمر بشخصيات دولية اعتبارية ساهمت بصورة أو بأخرى في تدمير دول وشعوب وتسببت في إزهاق أرواح الملايين من البشر ومنحت القاتل ذريعة ومبرراً للقتل ثم إذا قضى القاتل وطره من المقتول جاء شاهد الزور ليقول ما كان الضحية يقوله لكل الدنيا لكن حينها والجلاد يبحث عن ذريعة لم يجرؤ هذا أو ذاك ممن يعرفوا الحقيقة أن يقول بشجاعة ما يعرفه وهذا ما ينطبق على السيد / هينز بليكس المفتش الدولي عن أسلحة الدمار الشامل الذي جاءنا بعد خراب الدنيا ليقول عذراً أقبح من ذنب فبدئ الرجل مجردا من النزاهة والشرف والمهنية العلمية والقيم الأخلاقية والحضارية والإنسانية. . !!
بليكس لم يقدم لنا وللرأي العام العربي والدولي جديدا فيما يتصل بحقيقة أسلحة الدمار الشامل التي كنا نعلم أن العراق خالٍ من هذه الأسلحة وكنا علي يقين أن العراق وقيادته هم الصادقون في كل ما صدر عنهم من مواقف، وكنا مؤمنين أن الكذب والكيد والدجل والتضليل فعل أميركي وأن الجبن والتخاذل استوطن بقية دول وأنظمة العالم التي لم تكلف نفسها التصدي لواشنطن ليس بدافع الخوف من واشنطن ولكن الكثير من المحاور النافذة كانت على علم بالحقيقة ولكنها كانت راغبة لتوريط _أميركا_ وهذا ما حدث، المفتش الدولي هانز بليكس لم يأتينا بجديد في اعترافه إلا من حقيقة واحدة وهي أنه لم يكن أمينا على مهنته ومهمته فهو يقول أخيرا أن _واشنطن_مارست ضغوطات عليه فجعلته _قهرا وقسرا_كما يزعم على كتم الحقيقة مفضلا عدم الجهر بالحقيقة حرصا على (سمعته). . !! يعني أن سمعة هانز بليكس أهم من مليون عراقي قتلوا في المؤامرة وخمسة ملاين عراقي مشرد وثلاثة ملايين أرملة وعشرة ملايين عراقي يعانون من حالة اضطراب نفسي ناهيكم عن دولة ذات سيادة وإرث تاريخي وقدرات وإمكانيات كل هذا تم تدميره ومعه تدمر نسيج وطني للدولة المستهدفة وروابط قومية تناثرت وتمزقت أواصرها وهذا كله أقل من سمعة ( هانز بليكس ) التي خشي عليها من تشويه (أميركا) ولهذا فضل التضحية بالشعب العربي في العراق وبكل مكوناته وبأرواح الأبرياء من الضحايا على أن يضحي _بسمعته _ التي لا تساوي قطرة دم واحدة ساحت على أرض العراق. . !!
بيد أن موقف السيد / هانز بليكس / تجعل العالم يراجع علاقته بالمنظمات الدولية وبالمراقبين والمفتشين والممثلين الدوليين والذين يأتون تحت هذا الغطاء وهذه المزاعم لينفذوا ما يمكن وصفها بأكثر الأعمال انحطاطا وقذارة. . !
مهنيا ليس هناك ما يبرر للسيد بليكس مواقفه ولو كان قد كشف الحقائق وكانت معروفة سلفا لكن كان يفترض الاعتراف بها في حينه لو كان قام بهذا الفعل ربما لكانت الصورة قد أخذت بعدا آخر، وأيا كانت تبعات صراحة المفتش الدولي حينها لكنه على الأقل لكان قد كسب على الأقل احترام وتقدير العالم له ولمواقفه ولكانت صورته ظلت نقية ولكنها تشوهت اليوم أكثر ألف مرة من التشوهات التي خشي منها وجعل واشنطن ترتكب كل هذه الجرائم التي يعد هانز بليكس شريكا أصيلا فيها إلى جانب بوش ورامسفيلد وأركان البيت الأبيض ومعهم كوفي عنان وعصابته. . !!
أي أمانة علمية تركها بليكس. . ؟ وأي صورة حافظ عليها. . ؟ وأي شرف ونزاهة يمكن أن تبقى للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. . ؟ ومن يمكنه أن يثق بالممثلين الدوليين ونزاهتهم وشرفهم المفقود. . ؟
وماذا يعني صحوة ضمير بليكس بعد أن وصلت الأحذية إلى خد بوش وبعد اعتراف بوش بكذبه وبعد افتضاح الحكاية بكل أبعادها. . ؟ ما ذا ولماذا يأتي اعتراف بليكس بحقيقة تخاذله وتآمره وفقدانه للنزاهة والشرف المهني والأخلاقي والقانوني. . !!وهل هذا سوف يعيد العراق إلا ما كان عليه. . ؟ هل اعتراف هذا المجرم وأقول مجرم لأنه شريك فعلي ورئيسي في الجريمة التي ارتكبت بحق العراق الأرض والإنسان. . بصورة كشفت عن دناءة ما بعدها دناءة ولا يمكن أن تصدق خاصة لرجل قدم نفسه وعرفه العالم كمهني ومتخصص وصاحب مكانة علمية ومعرفية وظل العالم يكتم أنفاسه في كل مرة كان فيها بليكس يتجه بملفاته إلى مجلس الأمن ونظل بل كل العالم يظل يترقب كل كلمة ويفسر كل حرف يصدر عن هذا الرجل الذي كانت العراق الأرض والإنسان بل كل الأمة العربية بأسرها كانت تكتم أنفاسها وهي تتابع تصريحات بليكس الذي لم يكن في الحقيقة دجالاً من شلة الدجالين ومنحطاً في موكب المنحطين وهو ما يجعلنا نكفر بكل المنظمات الدولية ورموزها وموظفيها ومفتشيها وممثليها كون كل هؤلاء حثالة في موكب القوادين والقراصنة ومجرمي الحرب ولهذا يفترض أن يقدم بليكس وبوش وكل مجرمي الحرب بحق العراق إلى محكمة جرائم الحرب التي قطعا لن تشكل بحق هؤلاء ولن يطالب أحدا بمحاكمتهم لأن كل رموز الحراك الدولي مجردين من أبسط القيم الأخلاقية لكن هناك من يملك القدرة والإرادة للاقتصاص من كل هؤلاء بطريقة أو بأخرى وأن كان حذاء منتظر الزيدي المواطن العراقي قد لامس خد بوش رئيس أكبر إمبراطورية تحكم العالم لكن هذه الإمبراطورية بكل قدراتها أخفقت في حماية رئيسها من حذاء مواطن عربي، وأن كان حذاء منتظر الزيدي قد طالت هامات بوش فأن المفترض أن تقتص يد العدالة من بقية الزنادقة وفيهم بليكس هذا الذي صحى ضميره متأخرا وهذه ليست صحوة بل جريمة بحق الأمة لا تقل جريمة الحرب وجريمة اختلاق أسبابها. . فاللعنة عليك بليكس وعلى مهنيتك وعلى ضميرك وعلى صورتك المشوهة من قبل أن تعترف بجريمتك. . !!<
ameritaha@gmail. com