كتاب
معطى وجودياً وإنما هي من ناحية واجب وهي من ناحية أخرى كدح متواصل لتجاوز الضرورة
عبر مجاهدة النفس لحملها على معالي الأمور ومجاهدة قوى الشر والجهالة في الخارج
لإعلاء كلمة الحق والعدل والحرية عبر المجاهدة والجهاد على اختلاف أبعاده وبالتعاون
مع الآخر، وعلى قدر ذلك يحقق المؤمن كسبه من الحرية.
إقامة نظام تعدد الأحزاب لأسباب كثيرة حصلت جفوة بين النظام
الحزبي التعددي وبين الحس الإسلامي منها، وورود هذا النظام عن طريق المستعمر الغربي
وتذييل كثير من الأحزاب له واشتغالها بالصراعات الهامشية على حساب المصلحة العليا
العامة حتى كادت بعض الأوطان أن تضيع في ظل النظام التعددي الشكلي.
النظام
التعددي: إقامة نظام إداري للحكم المحلي بسحب معظم صلاحية الحكومة المركزية ويضعها
في يد الشورى الشعبية، ذلك أن تجارب الأمة مع الاستبداد في أشكاله المختلفة قد أفضت
إلى الاقتناع بأهمية النظام التعددي وتوسيع نفوذ حكم الشورى المحلي في تنمية
المشاركة السياسية والتعبير عن إرادة الأمة وتقوية سلطة المجتمع مقابل سلطة الدولة
ودفع الاستبداد وتعبئتها لدفع العدوان الخارجي، ولكن اعتبار الطبيعة العقدية الخاصة
للدولة الإسلامية التي تمثل جوهر النظام العام فيها فهي إنما نشأة الإسلام ولخدمته
وتوفير مصالح المحكومين، فما ينبغي للوسيلة أن تعود على أصلها بالبطلان ولكن غير
المسلمين في الدولة الإسلامية ما هي حقوقهم؟. .
يؤكد البحث أن المساواة في الحقوق
والواجبات على أساس المواطنة هي الأصل وأن التميزات التي تفرضها الطبيعة العقدية
للدولة الإسلامية لا ينبغي أن تسقط ذلك الأصل فلغير المسلم الحق في تولي كل الوظائف
عدا ما اقتضته الخصوصية الإسلامية لوظيفة معينة وكان تسامح المسلمين ولايزال من غير
نظير في ما تمتع به أهل الأديان الأخرى من حقوقهم في دولهم ومن ذلك فإن البحث يتجه
إلى تعزيز حقهم في تكوين أحزاب تدافع عن حقوقهم في إطار الولاء للدولة واعتماد
الوسائل السلمية في المعارضة أسوة ببقية الأحزاب وإن كان لا ينتظر من حزبٍ غير
إسلامي في دولة إسلامية إلا دور هامشي، شأن الحزب الشيوعي في أمريكا أو الحزب
الإسلامي في بريطانيا، بل الأحزاب العلمانية القائمة الآن في العالم الإسلامي قد
همشها العمل الإسلامي فما بقي لها من رصيد غير امتلاكها جهاز الحكم وإن تسارعت في
زمن الصحوة على إعلان الإسلام وستكون أكثر هامشية في الدولة الإسلامية ولكن دولة
الإسلام لا تستخدم القوة لمقاومة فكرة احتراماً لمبدأ تكريم الإنسان بالحرية "لا
إكراه في الدين"، فالأفكار لا تخيف الإسلام مهما كانت غرابتها ولم يسجل تاريخ
الإسلام أنه هزم في مناظرة حرة قط.
وبعد تأكيد حرية تكوين الأحزاب وأهميتها
يتعرض البحث لمهامها في الدولة الإسلامية وهي مهام: تنظيمية لقوى الجماهير من شأنها
أن تعزز سلطة المجتمع وتعطي البيعة وسلطان الأمة مصداقية وتحقق تداول السلطة سلمياً
تربوية تتمثل في العون على تجسيد مثل الإسلام وإشاعتها وتقوية مؤسسات المجتمع
للحد من نفوذ السلطة وتحجيمها.
منع التعذيب: إن فلسفة حقوق الإنسان في الإسلام
التي تنطلق من مبدأ تكريم الإنسان واستخلافه واعتبار الرسل جاءوا لإقامة العدل
وتحرير البشرية ترفض كل عدوان على الإنسان واستخدام وسائل الإكراه وتفرض دعم الدولة
الإسلامية المواثيق الدولية وجهود المنظمات الإنسانية والحقوقية المدافعة عن الحرمة
الجسدية والمعنوية للإنسان وتحريم التعذيب مطلقاً ضد الإنسان كافراً كان أو مؤمناً
مهما كانت الدوافع.
ولاية الحسبة العامة: أية مؤسسة أو مؤسسات للأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر تقوم إلى جانب الجهود الشعبية بمهمة محاربة الظلم باعتبارها مؤسسة
قضائية ينهض بها علماء شجعان يقتحمون دوائر الحكومة والأسواق لضمان التحقق من
التزام القيم الإسلامية والعدالة في الحياة اليومية.
الرأي العام: رقابة الرأي
العام باعتباره مصدر السلطة والمخاطب الأصلي بالشريعة. .
إن الأمة مدعوة دينياً
إلى القيام بواجب الرقابة العامة فرادى وجماعات من خلال المساجد وهي مؤسسات شعبية
لا سلطان للدولة عليها ومن خلال كل وسائل التعبير الأخرى كالصحف وإنشاء الأحزاب
التي تعتبر تعبيراً مباشراً عن سلطة الرأي العام في الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر فلا يحتاج إلى إذن الحاكم.
إستقلالية السلطة القضائية: أما ما يتعلق
بمسألة مبدأ فصل السلطات كضمان من ضمانات عدم الجور فقد أكد الكاتب استقلالية
السلطة القضائية، أما بشأن العلاقة بين سلطتي التشريع والتنفيذ فإن الموقف الإسلامي
يحتمل الفصل أو التعاون أو الاندماج.
أما في مسألة تفسير ما حدث من جور في تاريخ
الدولة الإسلامية رغم أن قارنا بين الاستبداد والظلم وبين التوحيد والعدل فإن
الاستبداد قد حصل وليست هي مسؤولية الإسلام وإنما روح العصر السائد.
لقد عرف
التاريخ الإسلامي إزدهاراً للتعدد الثقافي والحضاري والتسامح الديني والفكري وعرف
حتى التعدد السياسي بأشكال مختلفة متجاوزة عصرها بكثير ويبقى الاستبداد الذي يمارس
على شعوبنا من طرف دولة الحداثة الوكيل على المصالح والثقافات الأجنبية كأختها
متحكمة في كل الاستبداد وهي ظاهرة جديدة في تاريخنا. .
يبقى الاستبداد وانحراف
المفاهيم والانفصال بين العلم والعمل في تربيتنا العقبة الكؤود أمام نهضة أمتنا
ومسؤولية النخبة أساساً أن تقاوم هذه الآفات، بتضامن ضد الظلم بالالتحام مع العمق
الشعبي قيماً ومصالح وهموماً من أجل التقوي به لمواجهة مواريث الازدواج الوافد
والاستبداد المحلي والخارجي بدل التواطؤ معهما وتقاسم المتاع وإطالة ليل
انحطاطنا.
إن تأصيل قيم الحرية والقبول بحق الاختلاف والتعددية والعدالة والثورة
والجهاد والاستشهاد والتسامح والنظام وروح العمل الجماعي والتناصر في مقاومة الظلم
والجور والظالمين دون تمييز والإيثار وحب الحقيقة والبحث عنها بنزاهة وموافقة الفعل
القول واحترام إرادة الأمة وترويض النزوعات الفردية.
إن لم يكن الأوحد لبعث أمة
حرة ودورة حضارية إنسانية إسلامية جديدة تنفذ أو تساهم في إنقاذ التراث الإنساني
والحضارة المتداعية والإنسانية المعذبة.