الدائم السلامي
رأيتُ والدى يبتسمُ.
أبى لا يبتسم يا عباد الله، وحتى إذا فاجأته ابتسامةٌ أدار
وجهَه للخلاءِ فلا نراها منه أبدًا.
لقد تساءلتُ مرّاتٍ لِمَ لا يبتسمُ أبى مثل
بقيّة خلقِ الله من الرّجال؟ وأعيتنى الإجابة، فخاطبتُه فى الأمرِ، وشرحتُ له
فوائدَ الابتسام على الفرد وعلى الجماعة، وبيّنتُ له ما قال العلمُ الحديثُ فى شأن
الابتسامة بكونها تُنشِّطُ عضلاتِ القلبِ وتُزيحُ الهمَّ والغمَّ على المستوى الفرديّ وكذا الإقليميّ
والعربيَ والعالميّ، فلم يبتسم أبى لنظرياتي، واكتفى بالنظر إليّ وكأنّ لسان حالِه
يقول "يا بُنيَّ أنا الذى أنجبتُك ولستَ أنتَ مَنْ أنجبني" وهى عبارة ينافِحُ بها
والدى عن مواقفه كلّما تعارضت ومواقفى فى غرضٍ مَّا من أغراضِ المحادثةِ.
ولكنّ
أبى يبكي، أيْ نَعَمْ، والله أبى يبكى كثيرًا، رأيتُه يبكى عند وفاة أختى الكبرى،
ورأيتُ دموعَه تنهمرُ غزيرةً عند وفاة جدّتي، ورأيته ينتحب عندما ضحّى بوش بالشهيد
صدّام حسين وبكى أبى يوم العيد الماضى عندما هبَّ إليه ابنى وعانقه بحرارةٍ كأنّ
بينهما عهدًا طويلاً من الذّكرى.