ناشر
والحركة، كان أحد أبناء محافظة لحج يحمل جدته الطاعنة في السن إلى مبنى فرع مكتب
رعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة بمدينة الحوطة ليتأكد المسؤولون في الفرع أنها
جدته، إحدى مناضلات الثورة اليمنية والتي تعدى عمرها المائة عام، حتى تُصرف لها
الإعانة الشهرية المقررة ببضعة آلاف من الريالات، لا تتعدى أصابع اليد
الواحدة.
كان لا بد من إحضار
الحاجة رقية ثابت المنصوري ليتأكد المسؤولون أن الثورة التي طردت الانجليز من جنوبي
البلاد وحققت الاستقلال قد شاخت، بعدما شاخ صناعها، وتحولوا إلى أشبه بشحاتين
ينتظرون عطف المسؤولين وبركاتهم، وكأنهم استكثروا على هذه المناضلة وعلى غيرها
الآلاف من الرجال والنساء ممن قدموا أرواحهم فداء للوطن، أن تحصل على تكريم في آخر
حياتها؛ فتذهب لجنة إلى منزلها عوضاً أن يأتوا بها محمولة على أيدي حفيدها إلى مبنى
فرع رعاية أسر الشهداء بلحج.
ليست هذه الثورة التي كانت رقية المنصوري تبحث
عنها، وليسوا هؤلاء هم أبناء الثورة التي ضحت رقية المنصوري وغيرها المئات من
جداتنا وأمهاتنا ليعيشوا اليوم بحرية، ليست هذه المعاملات التي كانت تنتظرها رقية
المنصوري في آخر حياتها من أبنائها وأحفادها.
لقد أهان هؤلاء الثورة وصناعها،
وجعلوهم يتسولون الفُتات من خير الثورة، فقد كانت رقية المنصوري وغيرها الآلاف من
أبناء الثورة نساء ورجالاً يستلمون قبل سنوات قليلة 500 ريال، أي دولارين ونصف،
أكرر خمسمائة ريال حتى لا يقال إن الرقم خطأ مطبعي، كإعانة شهرية قبل أن تزيد إلى
ألفي ريال ثم ارتفعت إلى خمسة آلاف ريال، أي ما يقرب من 20 دولاراً بموجب الإجراءات
الأخيرة، حيث تم الترويج للزيادة الأخيرة وكأن المناضلين سيستلمون مئات الآلاف من
الريالات، وفي النهاية لم تكن هذه الزيادة تزيد عن ثلاثة آلاف ريال.
وهنا
نتساءل: هل حقاً يستحق هؤلاء المناضلون هذه المعاملة؟، هل حقاً بدأت الثورة تأكل
أبناءها وبناتها وأحفادها؟، وهل المسؤولون في فروع رعاية أسر الشهداء في المحافظات
راضون عما يجري اليوم من إهانة لمناضلي الثورة؟ لقد كان يجب على المسؤولين في مكاتب
رعاية أسر الشهداء والمناضلين أن يكرموا المناضلين بالنزول إلى قراهم ومنازلهم
ويمنحون لهم إعاشاتهم المتواضعة بأيديهم حتى يشعر هؤلاء أن ما قدموه للثورة كان في
محله.
على الدولة أن تعيد اليوم الاعتبار لمن أعادوا لنا الاعتبار قبل عشرات
السنين عندما استرخصوا أرواحهم من أجل أن نعيش اليوم بكرامة وبدون إذلال، لقد حان
الوقت لنعيد الاعتبار للثورة التي باتت تتآكل يوماً بعد يوم، ونخشى بسلوكنا اليوم
أن ندفنها بأيدينا عن سبق إصرار وترصد.