د/أحمد
عبد الواحد الزنداني
عبد الواحد الزنداني
تبنت الجمهورية اليمنية الخيار
الديمقراطي المبني على التعددية السياسية والحرية الإعلامية والانتخابات الدورية
كنظام للحكم منذ إعلان الوحدة بين شطري اليمن في العام 1990, إلا إن ما ثبت هو أن
اختيار هذا النهج لم يكن إلا صيغة تراضى عليها قادة الشطرين لعقد صفقة الوحدة, ذلك
المطلب الجماهيري الملح, على أمل أن يجتهد كل طرف في السيطرة على السلطة سواء
بالوسائل المشروعة أو غير المشروعة
خلال ما عرف بالفترة الانتقالية (1990-1993) التي مرت بها اليمن قبل أول انتخابات
نيابية, أي أن تبني الخيار الديمقراطي لم يكن ناتجا عن قناعة تامة من قبل صناع
الوحدة بالتبادل السلمي للسلطة, وهذا يعني أن تجربتنا الديمقراطية ولدت مشوهة لأن
المقتنع بالتداول السلمي للسلطة سيحرص على تأسيس قضاء مستقل ونزيه يحتكم إليه
المتنافسون على الحكم من أحزاب سياسية وجماعات مصالح وأصحاب نفوذ وهو العنصر الذي
تفقده تجربتنا الديمقراطية.
وعلى هذا الأساس لم يجن اليمنيون سوى مساوئ النظام
الديمقراطي دون التمتع بميزاته مثل حكم القانون والتداول السلمي للسلطة والاستقرار
السياسي والمسائلة والشفافية إلخ..., أما المساوئ التي جنيناها فمنها تفكك النسيج
الاجتماعي اليمني فلكل أمة نسيج اجتماعي يحفظ وحدتها وتلاحم أبناءها على اختلاف
مذاهبهم ومشاربهم ليقيهم ويلات الحروب الأهلية ويحميهم من الاختراقات والحروب
الدولية, ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو ظهور حركة التمرد الحوثي التي جاءت بأفكار
شاذة منذ منتصف التسعينات لتجرنا إلى حروب ست راح ضحيتها عشرات الآلاف بين قتيل
وجريح فضلا عن فتح الباب للتدخل الخارجي وشبح الحرب الأهلية الذي غدا كابوسا يحوم
حول مستقبل اليمن, ولو كان لنا قضاء نزيه ومستقل للجئ إليه الناس منذ الوهلة الأولى
للقضاء على حسين الحوثي وحركته المشئومة في بدايتها دونما الحاجة إلى تجييش الجيوش
وحشد الطاقات والإمكانيات دونما جدوى حيث إن الدولة ومنذ انتهاء الحرب السادسة لم
تكف عن شكواها المريرة من الحوثي وحركته وخروجه عن القانون والدستور, الأمر الذي
جعل الكثيرون يترقبون حربا سابعة ولو استمر الحال على ما هو عليه فربما حربا ثامنة
وتاسعة أيضا.
ومن المساوئ التي حملها المواطن اليمني على عاتقة من جراء
الديمقراطية المشوهة ظهور حراكا في الشطر الجنوبي من اليمن متدثرا بعبائة
الديمقراطية التي تمنح حق الانتقاد والتظاهر والاحتجاج حتى إذا ما تمكن دعاته من
غرس العداوة والبغضاء في نفوس أخواننا في الجنوب لكل ما هو شمالي من بشر أو مدر أو
حجر حولوا حراكهم الذي بدأ بمطالب مشروعة إلى حركة انفصالية مقيتة سيدفع اليمني
ثمنا باهظا لها سواء في الشمال أو في الجنوب على حد سواء, حقا إنها لا تعمى الأبصار
ولكنها تعمى القلوب التي في الصدور, ولو كان لليمنيين قضاء مستقل ونزيه لتمكن الناس
من مقاضاة المفسدين في الأرض قبل أن يتحول فسادهم إلى سكين تذبح الوحدة ليجني
مجموعة من العملاء المتآمرون على وحدة الشعب وثوابته الوطنية مكاسب شخصية رخيصة
ليكونوا أداة تخدم في نهاية المطاف قوى دولية لها مشاريعها الخاصة وما مشروع الشرق
الأوسط الكبير عنا ببعيد.
ومن مساوئ ديمقراطيتنا الممسوخة هو قيام معارضة مشوهه
أثقلت كاهل اليمني وساهمت بفاعلية في توجه اليمن نحو ما يسمى بالدولة الفاشلة, صحيح
أن المعارضة بدأت بجديه على أمل أن النظام الديمقراطي سيؤخذ على محمل الجد ولو حتى
نسبيا من قبل قادة اليمن ولكن الفساد الذي غُض الطرف عنه لتحقيق مكاسب سياسية أنية
خلال ما يقرب من عقدين من الزمان كان كفيلا بأن يمتد إلى المعارضة التي وجدت معه
وبه المبرر لتحيد عن الطريق وتأخذ بنصيحة الشاعر الجاهلي الذي قال: "ألا لا يجهلن
أحدا علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا" وكان أفضل ما أنتجته المعارضة هو لقائها
المشترك الذي أصبح يساوم بأمن اليمن واليمنيين لتحقيق أهداف سياسية بحته على قاعدة
ميكيافلي المشهورة "الغاية تبرر الوسيلة", ولعل سياسة المشترك تجاه قضية الحوثي رغم
ثبوت أفكاره الشاذة وصلاته الوطيدة بدولة مثل إيران على فظاعة ما ترتكبه في العراق
وأهله أو سياسته تجاه ما يجري في الجنوب من طعن في الدستور وثوابت الأمة لدليل واضح
على ميكيافليتة, ومن ميكيافلية المشترك تماهيه مع المشروع الأمريكي في اليمن كما
يُلمس من سياسة القائمين عليه بدعوى أن الوصول إلى الحكم بدون توافق مع الأمريكان
أمرا مستحيلا, أي أن نظام حسني مبارك وسلطة عباس في الطريق الصحيح, هذا ما نفهمه من
التوافق مع العملاق الدولي (الولايات المتحدة الأمريكية) الذي يجيد وضع النقاط على
الحروف التي تخدم مصالحه, تلك المصالح القائمة حتما على حساب كل من يرفض السياسة
الأمريكية تجاه العالم العربي وعلى رأسهم أبناء الشعب اليمني, ولو كان لنا قضاء
نزيه لما وصل الفساد إلى المعارضة ولبقيت المعارضة حجر كأداء أمام كل ما يهدد الأمن
القومي اليمني لا فاتورة ابتزاز للسلطة نخشى أن يدفع اليمني ثمنها من دمه وماله
وكرامته, ولنا في حال العراق عبرة.غير أن أكبر مساوئ ديمقراطيتنا المشوهة على
الإطلاق هو منحها مشروعية هشة للحكومة على مدار عقد ونصف من خلال انتخابات تمت في
ظل غياب القضاء المستقل والنزيه الأمر الذي أفقد الحكومة سند قوي ودعامة متينة
تستطيع أن تركن إليها لدحض كل من يشكك في مشروعيتها في الحكم, فتلك الانتخابات التي
مكنت أعضاء الحزب الحاكم من الحكم والحصول على الأغلبية المريحة التي يستطيعون
بموجبها تعديل الدستور على قاعدة أن يكون الحزب الحاكم الخصم والحكم في الوقت ذاته
فقدت مصداقيتها نتيجة انعدام الثقة باستقلالية القضاء ونزاهته, وهذا ما أوقع الشعب
في ورطة أشك في إمكانية خروجه منها بسلام, حيث انتشر الفساد والرذيلة والفقر والغش
وانهارت القيم والمبادئ أمام أعيننا, ومجلس النواب الذي يتحدث باسم الشعب لا يحرك
ساكنا بل أصبح حاميا للديمقراطية المغشوشة التي لا نزال نئن تحت وطأتها, ولو كان
لنا قضاء نزيه نثق به وبقراراته لما خطر مطلقا ببال بعض أعضاء مجلس النواب حتى مجرد
ترشيح أنفسهم ليكونوا نوابا للشعب في هذا المجلس الموقر.
قد يقول قائل القضاء
موجود ولكن كاتب المقال لا يرضيه شيء, ونقول نعم مؤسسة القضاء موجودة ولكن لا نثق
بها لأنها لم تكوّن لدينا رصيد ثقة على الإطلاق, وبغض النظر عن الجوانب السياسية,
فحتى نثق بالقضاء فلا بد أن يثبت القضاء استقلاله ونزاهته ويشرع في بناء ثقة الشعب
به, وحتى يبني تلك الثقة لا نريد, على سبيل المثال, أن نرى الناس يتصارعون على
الأراضي حتى في قلب العاصمة فيقتل بعضهم بعضا, ولا نريد أن نسمع أنات من يحملون
أحكاما قضائية أفنوا أعمارهم وأموالهم في سبيل الحصول عليها ثم لا يجدون من ينفذها,
ولا نريد أن ينتشر الغش بين أبناءنا في المدارس جهارا نهرا ولم يأخذ القضاء أحدا
بجريرة هذه الأفعال البشعة, أما عن قضايا الفساد فحدث ولا حرج, ولو كان لنا قضاء
نزيه لشكونا إليه قضاءنا الحالي لينصفنا منه, قال تعالى "وإذا حكمتم بين الناس أن
تحكموا بالعدل".ومما سبق يتضح لنا أن لب المشكلة يكمن في وقوعنا في فخ ديمقراطية
مشوهة, فلا ينبغي أن نعيش حياة مغشوشة ونتحدث عن انتخابات وأحزاب ومعارضة وصحافة
حرة...إلخ, أي يجب أن نتوقف عن الصراع على السلطة ونشرع في طريق جديد يتمثل في بناء
قضاء نزيه يقاوم الظلم ليرتقي بالإنسان اليمني وبأمته ويعيد له كرامته المنهوبة,
وعلينا أن نعي أن معظم مفاسد السلطة يندرج في إطار سياسة رد الفعل لحماية نفسها مما
أنتجته تجربة ديمقراطية ولدت وهي تحمل بذور فناءها بين ثناياها, والسؤال الذي نختم
به مقالنا هذا هو هل اليمنيون أحرارا حقا في اختيار الديمقراطية التي يمارسونها أم
أن الديمقراطية التي نمارسها اليوم أمرا مفروضا علينا وعلى حكامنا من قبل دعاة
النظام الدولي الذين يحمون ديمقراطيتنا المشوهة لغرض ما في نفس "يعقوب" رضينا بها
أم لم نرضى ؟!!قسم العلوم السياسية جامعة صنعا
الديمقراطي المبني على التعددية السياسية والحرية الإعلامية والانتخابات الدورية
كنظام للحكم منذ إعلان الوحدة بين شطري اليمن في العام 1990, إلا إن ما ثبت هو أن
اختيار هذا النهج لم يكن إلا صيغة تراضى عليها قادة الشطرين لعقد صفقة الوحدة, ذلك
المطلب الجماهيري الملح, على أمل أن يجتهد كل طرف في السيطرة على السلطة سواء
بالوسائل المشروعة أو غير المشروعة
خلال ما عرف بالفترة الانتقالية (1990-1993) التي مرت بها اليمن قبل أول انتخابات
نيابية, أي أن تبني الخيار الديمقراطي لم يكن ناتجا عن قناعة تامة من قبل صناع
الوحدة بالتبادل السلمي للسلطة, وهذا يعني أن تجربتنا الديمقراطية ولدت مشوهة لأن
المقتنع بالتداول السلمي للسلطة سيحرص على تأسيس قضاء مستقل ونزيه يحتكم إليه
المتنافسون على الحكم من أحزاب سياسية وجماعات مصالح وأصحاب نفوذ وهو العنصر الذي
تفقده تجربتنا الديمقراطية.
وعلى هذا الأساس لم يجن اليمنيون سوى مساوئ النظام
الديمقراطي دون التمتع بميزاته مثل حكم القانون والتداول السلمي للسلطة والاستقرار
السياسي والمسائلة والشفافية إلخ..., أما المساوئ التي جنيناها فمنها تفكك النسيج
الاجتماعي اليمني فلكل أمة نسيج اجتماعي يحفظ وحدتها وتلاحم أبناءها على اختلاف
مذاهبهم ومشاربهم ليقيهم ويلات الحروب الأهلية ويحميهم من الاختراقات والحروب
الدولية, ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو ظهور حركة التمرد الحوثي التي جاءت بأفكار
شاذة منذ منتصف التسعينات لتجرنا إلى حروب ست راح ضحيتها عشرات الآلاف بين قتيل
وجريح فضلا عن فتح الباب للتدخل الخارجي وشبح الحرب الأهلية الذي غدا كابوسا يحوم
حول مستقبل اليمن, ولو كان لنا قضاء نزيه ومستقل للجئ إليه الناس منذ الوهلة الأولى
للقضاء على حسين الحوثي وحركته المشئومة في بدايتها دونما الحاجة إلى تجييش الجيوش
وحشد الطاقات والإمكانيات دونما جدوى حيث إن الدولة ومنذ انتهاء الحرب السادسة لم
تكف عن شكواها المريرة من الحوثي وحركته وخروجه عن القانون والدستور, الأمر الذي
جعل الكثيرون يترقبون حربا سابعة ولو استمر الحال على ما هو عليه فربما حربا ثامنة
وتاسعة أيضا.
ومن المساوئ التي حملها المواطن اليمني على عاتقة من جراء
الديمقراطية المشوهة ظهور حراكا في الشطر الجنوبي من اليمن متدثرا بعبائة
الديمقراطية التي تمنح حق الانتقاد والتظاهر والاحتجاج حتى إذا ما تمكن دعاته من
غرس العداوة والبغضاء في نفوس أخواننا في الجنوب لكل ما هو شمالي من بشر أو مدر أو
حجر حولوا حراكهم الذي بدأ بمطالب مشروعة إلى حركة انفصالية مقيتة سيدفع اليمني
ثمنا باهظا لها سواء في الشمال أو في الجنوب على حد سواء, حقا إنها لا تعمى الأبصار
ولكنها تعمى القلوب التي في الصدور, ولو كان لليمنيين قضاء مستقل ونزيه لتمكن الناس
من مقاضاة المفسدين في الأرض قبل أن يتحول فسادهم إلى سكين تذبح الوحدة ليجني
مجموعة من العملاء المتآمرون على وحدة الشعب وثوابته الوطنية مكاسب شخصية رخيصة
ليكونوا أداة تخدم في نهاية المطاف قوى دولية لها مشاريعها الخاصة وما مشروع الشرق
الأوسط الكبير عنا ببعيد.
ومن مساوئ ديمقراطيتنا الممسوخة هو قيام معارضة مشوهه
أثقلت كاهل اليمني وساهمت بفاعلية في توجه اليمن نحو ما يسمى بالدولة الفاشلة, صحيح
أن المعارضة بدأت بجديه على أمل أن النظام الديمقراطي سيؤخذ على محمل الجد ولو حتى
نسبيا من قبل قادة اليمن ولكن الفساد الذي غُض الطرف عنه لتحقيق مكاسب سياسية أنية
خلال ما يقرب من عقدين من الزمان كان كفيلا بأن يمتد إلى المعارضة التي وجدت معه
وبه المبرر لتحيد عن الطريق وتأخذ بنصيحة الشاعر الجاهلي الذي قال: "ألا لا يجهلن
أحدا علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا" وكان أفضل ما أنتجته المعارضة هو لقائها
المشترك الذي أصبح يساوم بأمن اليمن واليمنيين لتحقيق أهداف سياسية بحته على قاعدة
ميكيافلي المشهورة "الغاية تبرر الوسيلة", ولعل سياسة المشترك تجاه قضية الحوثي رغم
ثبوت أفكاره الشاذة وصلاته الوطيدة بدولة مثل إيران على فظاعة ما ترتكبه في العراق
وأهله أو سياسته تجاه ما يجري في الجنوب من طعن في الدستور وثوابت الأمة لدليل واضح
على ميكيافليتة, ومن ميكيافلية المشترك تماهيه مع المشروع الأمريكي في اليمن كما
يُلمس من سياسة القائمين عليه بدعوى أن الوصول إلى الحكم بدون توافق مع الأمريكان
أمرا مستحيلا, أي أن نظام حسني مبارك وسلطة عباس في الطريق الصحيح, هذا ما نفهمه من
التوافق مع العملاق الدولي (الولايات المتحدة الأمريكية) الذي يجيد وضع النقاط على
الحروف التي تخدم مصالحه, تلك المصالح القائمة حتما على حساب كل من يرفض السياسة
الأمريكية تجاه العالم العربي وعلى رأسهم أبناء الشعب اليمني, ولو كان لنا قضاء
نزيه لما وصل الفساد إلى المعارضة ولبقيت المعارضة حجر كأداء أمام كل ما يهدد الأمن
القومي اليمني لا فاتورة ابتزاز للسلطة نخشى أن يدفع اليمني ثمنها من دمه وماله
وكرامته, ولنا في حال العراق عبرة.غير أن أكبر مساوئ ديمقراطيتنا المشوهة على
الإطلاق هو منحها مشروعية هشة للحكومة على مدار عقد ونصف من خلال انتخابات تمت في
ظل غياب القضاء المستقل والنزيه الأمر الذي أفقد الحكومة سند قوي ودعامة متينة
تستطيع أن تركن إليها لدحض كل من يشكك في مشروعيتها في الحكم, فتلك الانتخابات التي
مكنت أعضاء الحزب الحاكم من الحكم والحصول على الأغلبية المريحة التي يستطيعون
بموجبها تعديل الدستور على قاعدة أن يكون الحزب الحاكم الخصم والحكم في الوقت ذاته
فقدت مصداقيتها نتيجة انعدام الثقة باستقلالية القضاء ونزاهته, وهذا ما أوقع الشعب
في ورطة أشك في إمكانية خروجه منها بسلام, حيث انتشر الفساد والرذيلة والفقر والغش
وانهارت القيم والمبادئ أمام أعيننا, ومجلس النواب الذي يتحدث باسم الشعب لا يحرك
ساكنا بل أصبح حاميا للديمقراطية المغشوشة التي لا نزال نئن تحت وطأتها, ولو كان
لنا قضاء نزيه نثق به وبقراراته لما خطر مطلقا ببال بعض أعضاء مجلس النواب حتى مجرد
ترشيح أنفسهم ليكونوا نوابا للشعب في هذا المجلس الموقر.
قد يقول قائل القضاء
موجود ولكن كاتب المقال لا يرضيه شيء, ونقول نعم مؤسسة القضاء موجودة ولكن لا نثق
بها لأنها لم تكوّن لدينا رصيد ثقة على الإطلاق, وبغض النظر عن الجوانب السياسية,
فحتى نثق بالقضاء فلا بد أن يثبت القضاء استقلاله ونزاهته ويشرع في بناء ثقة الشعب
به, وحتى يبني تلك الثقة لا نريد, على سبيل المثال, أن نرى الناس يتصارعون على
الأراضي حتى في قلب العاصمة فيقتل بعضهم بعضا, ولا نريد أن نسمع أنات من يحملون
أحكاما قضائية أفنوا أعمارهم وأموالهم في سبيل الحصول عليها ثم لا يجدون من ينفذها,
ولا نريد أن ينتشر الغش بين أبناءنا في المدارس جهارا نهرا ولم يأخذ القضاء أحدا
بجريرة هذه الأفعال البشعة, أما عن قضايا الفساد فحدث ولا حرج, ولو كان لنا قضاء
نزيه لشكونا إليه قضاءنا الحالي لينصفنا منه, قال تعالى "وإذا حكمتم بين الناس أن
تحكموا بالعدل".ومما سبق يتضح لنا أن لب المشكلة يكمن في وقوعنا في فخ ديمقراطية
مشوهة, فلا ينبغي أن نعيش حياة مغشوشة ونتحدث عن انتخابات وأحزاب ومعارضة وصحافة
حرة...إلخ, أي يجب أن نتوقف عن الصراع على السلطة ونشرع في طريق جديد يتمثل في بناء
قضاء نزيه يقاوم الظلم ليرتقي بالإنسان اليمني وبأمته ويعيد له كرامته المنهوبة,
وعلينا أن نعي أن معظم مفاسد السلطة يندرج في إطار سياسة رد الفعل لحماية نفسها مما
أنتجته تجربة ديمقراطية ولدت وهي تحمل بذور فناءها بين ثناياها, والسؤال الذي نختم
به مقالنا هذا هو هل اليمنيون أحرارا حقا في اختيار الديمقراطية التي يمارسونها أم
أن الديمقراطية التي نمارسها اليوم أمرا مفروضا علينا وعلى حكامنا من قبل دعاة
النظام الدولي الذين يحمون ديمقراطيتنا المشوهة لغرض ما في نفس "يعقوب" رضينا بها
أم لم نرضى ؟!!قسم العلوم السياسية جامعة صنعا