الآنسي
يؤمنون بالوحدة كمبدأ، من منطلق وطني وقومي وديني، والمطالب السياسية لن تغير
ثقافات راسخة، ولن ترحب بمشاريع التفتيت الاستعمارية.
لو سألت أي مواطن عربي عن
الحدود الجغرافية بين البلدان العربية، سيجيبك بأنها من مخلفات الاستعمار القديم،
ومن مشاريع الاستعمار الحديث، وأن الوحدة هي الأصل، بل الواجب والضرورة،
ما يعني أن ثقافة الوحدة العربية
والإسلامية، أو الوحدة بشكل عام، من الثوابت التي لا جدال حولها، ليس لدى العرب
والمسلمين فحسب ولكن لدى البشرية جمعاء، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى برهنة.
وفي
هذه الحالة لا ينبغي أن نتحدث عن وحدويين وانفصاليين، فكلنا وحدويون، وما يجري في
جنوبنا اليمني، ليس أكثر من غضب شعبي على طريقة 'طالب بالباطل يأتيك الحق'.
غضب
شعبي لم تفهمه السلطة كما ينبغي، أو لم تتعاط معه كما يجب، فوضعتنا أمام هذه الحالة
الصعبة.
والأسوأ من ذلك أن السلوك الرسمي لا يؤهل السلطة للدفاع عن مبدأ عظيم
كهذا، ولا للنيل من سلوك الآخرين، وإصرار السلطة على أنها المدافع الأول عن هذه
القيمة، صوَّر الآخرين وكأنهم أشرار، الأمر الذي أضفى على القضية طابع التحدي
والعناد.
لكم أن تتصوروا حجم التأثير الذي سيخلقه الإعلام الرسمي عندما يستخدم
عبارات من هذا النوع 'دعاة الرد والانفصال' في حق التجمعات الاحتجاجية. ؟! وإذا كان
الشعور بالظلم والقهر قد أخرجها إلى الشارع بل وأجبرها، على مضض، أن تعمل ضد قناعات
معينة، فإن مقابلة ذلك بهذا النوع من السياسات المستفزة، لن يعمل إلا على مزيد من
الاحتجاج والمطالبة بأمور غير مشروعة.
لا نحمل السلطة كامل المسؤولية إلا من باب
أنها أكبر القادرين على معالجة الأزمة، لأن المستغلين لها (أي الأزمة) حتى وإن
كانوا كُثر ومن ذوي التأثير، إنما نفذوا من ثغرات في سياسة النظام، وكل ما نحتاجه
لمعالجة الأزمة هو سد هذه الثغرات، من خلال التعاطي المسؤول مع الأحداث.
الجنوب
وحدوي، وإخواننا في جنوب الوطن وحدويون حتى النخاع، ومن دون أدنى شك، حتى أولئك
الذين يرفعون أعلام تشطيرية هم أيضا وحدويون، لكنهم بحاجة لمن يتفهم مطالبهم، ولمن
يخاطبهم بلغة تشعر بأن هذه المطالب محل تقدير.
إنهم لا يطالبون بالكثير
إذن.
أجزم بأن السلطة حين تتفهم المطالب وتتعامل معها بمسؤولية، سيتفهم أصحابها
محدودية قدرة السلطة على التجاوب الفعلي، لأن عدم التفهم والتعامل غير المسؤول، لا
يولدان إلا عدم تفهم وتعامل غير مسؤول.