الحزمي
على سطوح منازلهم، لا عجب أن تجد أكثر المقيمين من عمال ينامون على الشواطئ
والأرصفة، لا عجب أن تجد عميد كلية على كرسيه في باب الممر قريبا من مكتبه ليزاول
عمله، لا عجب أن تكون الكآبة هي عنوان اليوم بأكمله، الصيف في بداياته والحر بدأ
يتسلل رويداً رويدا، وحضرموت أكبر محافظات الجمهورية في وطننا الحبيب تشتكي بحرقة
من لهيب الصيف وهجير الأيام وأشعة الشمس المحرقة.
نعم كل هذا في حضرموت الأعجب من هذا كله أننا لا نسمع من أخبار
هذه المحافظة العظيمة بأبنائها إلا أخبار الحراك وبعض المسيرات وهذا ما تطالعنا به
بعض الصحف والأخبار واعتقال بعض المناهضين ولا أحد يتطرق إلى ما يعانيه أبناء هذه
المحافظة في كل فصل صيف، وفي هذا العام يشتد الحر منذ بدايته وذلك لأسباب يعرفها
الكثير ممن يتابعون حالات الطقس والمناخ وتأثيرات الانحباس الحراري الذي يجتاح بقاع
عدة من الكرة الأرضية وترتفع درجات الحرارة كلما اقتربنا من البحر كما هو الحال في
المناطق الساحلية، وإذا كانت الحياة تتحول إلى جحيم فبالكاد يكون العيش من أجل
البقاء فقط، ومشكلة الكهرباء في بلادنا اعتقد أنها مشكلة أزلية وأبدية فلا الحلول
المؤقتة تفيد ولا الوعود الرنانة تجدي نفعا، والأدهى والأمر فواتير الكهرباء
القاتلة التي تصل أحيانا إلى ثلاثين ألف ريال يمني أو أكثر في الشهر الواحد على
المنزل الواحد، وهذا بحد ذاته يمثل كارثة معيشية للمواطنين هناك وبالذات ذوي الدخل
المحدود، وحتى ذوي الدخل اللامحدود فبالله عليكم إذا كانت فاتورة الكهرباء تستولي
على ثلاثة أرباع دخل الأسرة بأكملها من موظفيها ومتقاعديها وإيجارات محلاتها إن
كانوا من أصحاب العقارات، فمن أين سيدفع المستأجرون وأصحاب المعيشة الصعبة، وإذا
كانت الانطفاءات المتكررة تشمل كل الأحياء بما فيها الأحياء الفقيرة والغنية،
الرئيسية والفرعية.
كثير من مواطني حضرموت يشتكون لهيب الصيف ولكن من يسمعهم
فالإعلام منشغل بما يسمى بالحراك والكثير منا لم يسمع صراخ هؤلاء، ففيهم الضعيف
والفقير والمريض والمرأة والطفل وكلهم يحترقون بصمت، وإن تكلموا لن يصل صوتهم
لأحد.
استبشر المواطنون خيرا بزيارة الرئيس القائد لمحافظة حضرموت في الشهر
المنصرم والمكوث فيها وقد تهللت أساريرهم بهجة وغبطة بزيارة بشير الخير ولعل ما
كانوا يطمحون إليه هو مكرمة رئاسية للنظر في فواتير الكهرباء فقط لا غير، ولم
يأبهوا لحمى الضنك التي تنتشر، ولم يشتكوا من البرك المائية التي تغطي الشوارع في
بعض المناطق وتخلق جوا مناسبا للأوبئة والأمراض، بل ولم يقولوا للمسؤولين حتى
انظروا في حال (بويش) حيث تمر مواكب المسؤولين من المطار إلى داخل المحافظة والى
القصر الرئاسي وهي طريق ترابية، ولكن العتب على الزجاج العاكس في سيارات مسؤولينا
وهو من تسبب في حجب الرؤية عن أعين مسؤولينا ليروى بأم أعينهم بويش وهم يمرون فيها
بمواكبهم، وإن كانت المطبات والحفر في طريقها الترابي هي الأقرب حيث يمكنهم الإحساس
بما تعانيه (بويش) إلا أن سياراتهم الفارهة فيها من المرتزيات وأساليب الراحة التي
لا تجعلهم يشعرون حتى إن كانوا في طريق معبد أو طريق اسفلتي، وفوق هذا وذاك لم
يقولوا سوى إننا نحترق يا سيادة الرئيس، فالرحمة الرحمة فقط خفضوا لنا أسعار فواتير
الكهرباء والتي أثقلت كواهلنا واستولت على دخلنا الشهري فقط مجرد تخفيض.
وإذا
كان أصحاب المنازل ينامون في الأسطح هروبا من لهيب الحر فإن معظم قاطني المنازل
التي تكون عادة أكثر من طابق وأحيانا تصل إلى أربعة أو خمسة طوابق قليلي الحيلة
ومعدومي التصرف إذ لا يمكنهم جميعا الصعود إلى السطح والمبيت هناك، فتصبح الشرفات
(البلكونات) هي غرف النوم الجديدة والمستحدثة ولكن تجد أن للحر تأثيرات جسدية
ونفسية كبيرة وبالذات من المسنين والأطفال والنساء، فتصبح الحياة جحيما ونحن في
القرن الواحد والعشرين يا سادة.
في كثير من الدول التي تعتبر مصادر دخلها معدومة
مقارنة باليمن تجد أنها عالجت الكهرباء منذ زمن بعيد بطرق عديدة منها استحداث طرق
توليد الكهرباء بموارد الطاقة المتجددة ومنها ما كان على مشروع الربط الدولي ومنها
ما تم استحداثه من أجل مواجهة حر الصيف فقط، وكثير من المدن في شتى أنحاء المعمورة
تكون مدنا ساحلية ولكن لا يعيشون حياتنا بل تسعى حكوماتها إلى توفير أساليب
الرفاهية وبأبسط التكاليف على الشعب وليس أكثر أساليب التعذيب النفسي وبأعلى
التسعيرات التي تستولي على ثلاثة أرباع دخلهم الشهري إن لم يكن كله، فماذا سيبقى
للماء وماذا سيبقى للقوت وماذا سيبقى للمواصلات والتنقل ومزاولة الأعمال والدنيا
تستعر بلهيب الصيف ولا حياة لمن تنادي ولا أحد يسمعك وللمستضعفين في الأرض حق
الدعاء فقط فليس لهم إلا الدعاء وطلب الرحمة بالعباد وكان الله في عون العبد مادام
العبد في عون أخيه.