مجاهد الزيات
من التحديات الداخلية التي أفرزت صعوبات ومشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية ،
وتداخلت بصورة كبيرة مع موروثات قبلية ودعاوي طائفية ومذهبية بصورة
حادة.
تجاوزت
كل ما شهدته اليمن بهذا الخصوص على مدى السنوات السابقة ، ولاشك أن المعارك التي
شهدتها منطقة صعدة والتي راح ضحيتها آلاف من اليمنيين سواء من قوات الجيش والأمن أو
من أنصار الحوثي ، أو نزوح مئات الآلاف ، قد زادت من حدة الاحتقان والتوتر
في المنطقة الشمالية ، وهو ما يعني أن وقف إطلاق النار لا يعني انتهاء المشكلة ،
ولكن من الضروري الإسراع بإعادة الإعمار وتنمية المنطقة التي عانت من الإهمال
لسنوات طويلة ، ولابد من زيادة الحضور الفعال للدولة على كافة المستويات، ومواصلة
العمل على كسب ثقة وولاء الشعب في منطقة الشمال حتى تصبح الدولة هي المرجعية
الأساسية وهي الضامن لأمنهم واستقرارهم ، وحتى يمكن إغلاق المنافذ أمام القوى
الإقليمية التي تستهدف ضرب تماسك الدولة اليمنية.
ويمثل التحدي الثاني والخطر
الذي تواجهه الحكومة اليمنية هو مسألة الحراك الجنوبي ، والذي ارتبط بصورة أساسية
لإختلال قاعدة التوازن بين الشمال والجنوب فيما يتعلق بتوزيع المناصب في مؤسسات
الدولة وهي القاعدة التي تم الاستناد إليها عند توحيد شطري اليمن ، والتي اهتزت بعد
محاولة الانفصال واتجاه الرئيس علي عبدالله صالح إلي الاحتكام السياسي الحقيقي
للقوي السياسية سواء شمالية أو جنوبية فيما يتعلق بالمناصب الرئيسية في الدولة ،
وإذا كان من الطبيعي أن تواجه الحكومة اليمنية دعاة الانفصال وترفض دعاويهم ، إلا
أنه من الواضح أن اللجوء إلى خيار المواجهة الأمنية فقط لن يحل المشكلة ، بل سوف
يزيد من تعقيدها ، ويمكن أن يهيئ مناخاً مواتياً تستفيد منه بعض القوى والقيادات
التي قادت محاولة الانفصال سابقا ، ولاشك أن السلطات اليمنية ، قد تفهمت ذلك جيدا ،
حيث أبدى الرئيس اليمني مرونة مؤخرا ، وهناك محاولات حكومية لحوار جاد مع الأطراف
الرئيسية في هذا الحراك التي تلتزم بالحوار تحت سقف الوطن الواحد ، وهناك الكثير من
القيادات الوطنية التي لها احترامها داخل هذا الحراك ، وهو ما يمكن أن يخلق أرضية
للتفاهم ويعزل دعاة الانفصال.
ولقد استفاد تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة
العربية من التوترات التي صاحبت المعارك مع دعاة المذهبية والحوثيين في الشمال ،
والمواجهات التي تمت مع قوى الحراك الجنوبي وما أدى إليه ذلك من ضغوط على القوات
المسلحة وأجهزة الأمن اليمنية ، فحقق تمددا استراتيجيا خاصة في بعض محافظات الجنوب
، فضلا عما يتمتع به من ملاذآت آمنة في بعض المناطق القبلية ، ومن الملاحظ أن أجهزة
الأمن اليمنية تعاملت مع تنظيم القاعدة بكفاءة واضحة ، حيث تحركت على محورين في نفس
الوقت ، الأول حملة مواجهة مركزة استهدفت قيادات التنظيم وتجفيف منابع الدعم ،
والثاني، وقائية استهدفت إفقاده الملاذات الآمنة من خلال حوار مع قيادات قبلية
ودينية مؤثرة ، وهو ما أثر على فاعلية نشاط التنظيم في الفترة الأخيرة ، وإن لم يقض
عليه ، فلا يزال للتنظيم خلاياه وهياكله القيادية ويفد إليه المتطوعون من السعودية
وبعض دول القرن الأفريقي خاصة الصومال ، وكذلك العائدون من العراق الذين انتموا
لتنظيم القاعدة هناك من دول عربية مختلفة ، كما أصبح اليمن ملاذا للقيادات التابعة
للقاعدة الهاربة من الضغوط التي يواجهها التنظيم في كل من أفغانستان وباكستان
والعراق ، وميدانا للإعداد والتنظيم.
هكذا يتضح حجم المخاطر التي تشكل عناصر
الأزمة اليمنية في الفترة الأخيرة ، واللافت للنظر أن هذه الأزمة تحظي بنوع من
الاهتمام الإعلامي الخارجي الذي يصور اليمن وكأنها ساحة للمواجهة بين أطراف متصارعة
، وهو أمر غير حقيقي ، فالزائر إلى صنعاء أو المدن الأخرى لا يلحظ ذلك ، ولكن هناك
نوع من الحراك السياسي ، والتفاعل النشط الذي تشارك فيه قوى سياسية واجتماعية
متعددة تحاول أطراف مختلفة داخلية وإقليمية لها أجندتها الخاصة أن تنقل هذا التفاعل
إلي مستوي الصراع مع الحكومة ، وهو ما يهدد الاستقرار والأمن في اليمن في النهاية
.
إن من أهم التحديات التي تواجهها الحكومة اليمنية منذ عدة سنوات توفير البنية
الأساسية اللازمة لمتطلبات تحقيق التنمية بمفهومها الشامل ، الاقتصادي والاجتماعي
والسياسي ، ولاشك أن الإطار القبلي والأنماط الاجتماعية السائدة في اليمن تمثل عقبة
كبيرة في هذا المجال ، ورغم تزايد معدلات البطالة ، وعدد السكان، خاصة موظفي
الحكومة الذين يعيشون تحت مستوى الفقر ، إلا أن بعض السلوكيات المتوارثة ، خاصة
تخزين القات تزيد من حجم معاناة الطبقات الفقيرة بصورة كبيرة في دولة تعتبر من أكثر
الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية خاصة في ضوء استنزاف المخزون النفطي وهو ما ترك
تأثيره السلبي على أهم العائدات الحكومية ، كما تعتبر اليمن من أكثر دول العالم
التي تعاني من ندرة المياه ، كما تتراجع المياه الجوفية بصورة كبيرة حسب التقارير
الدولية المعنية بهذا الخصوص ، وذلك في ظل تزايد للسكان هو الأعلى بين دول المنطقة
.
ورغم ذلك تشير تقارير بعض المنظمات الإقليمية وصناديق تنمية خليجية إلى أن
اليمن من أكثر الدول التي تتلقي مساعدات من تلك الجهات وفاء بسداد مستحقاتها في
مواعيدها ، وهو موقف يحسب للحكومة اليمنية ، كما أن معظم المشروعات التي تمولها
تركز على إقامة الطرق الرئيسية والريفية في محاولة لربط التجمعات السكنية المنعزلة
حيث تعتبر اليمن من أكثر دول العالم التي تعاني من تفرق التجمعات السكانية
وانعزالها ، كما تركز على المشروعات السياحية والخدمية خاصة في الجنوب وفي عدن وحضر
موت بالتحديد ، إلا أن المواجهات التي شهدتها اليمن في العام الأخير ، قد حدت
كثيراً من الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق التنمية ، فقد أدت المواجهة العسكرية مع
الحوثيين ، ودخول بعض بطون القبائل في تلك المنطقة في المواجهات، إلى وقف مشروعات
متعددة لشق طرق جبلية ، وحفر آبار مياه ، ونشر الخدمات ، وبصفة عامة ، فإن الحروب
مع الحوثيين قد أدت إلى استنزاف للموارد الحكومية ، ولم يقتصر تداعيات ذلك على
المنطقة الشمالية ، بل أن الجهود الحكومية قد تأثرت بصورة واضحة سواء في مناطق
الوسط أو الجنوب ، الأمر الذي يدخل اليمن في حلقة مفرغة ، ولاشك أن المواجهة
الحقيقية لثالوث المخاطر دعاة المذهبية بارتباطاتهم الخارجية ، وقوى الحراك الجنوبي
ومطالبهم الاقتصادية والسياسية ، ومحاولة تجفيف منابع ومناخ وبيئة التطرف تتطلب
خططا تنموية شاملة ، إلا أن تشتيت جهود الحكومة في صراع ومواجهات مع تلك القوى يعطل
البرامج التنموية ويعيق جهود تحديث اليمن.
ومن الجدير بالإشارة هنا أن اليمن
يواجه مخططات إقليمية تستهدف المنطقة بصفة عامة وتمثل اليمن المنفذ الرئيسي لها ،
فالهدف الرئيسي لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية والذي تتمركز قياداته في أراضيه
هي المملكة العربية السعودية ، ودول الخليج بالدرجة الأولي ، كما أن الدعم الإيراني
للحوثيين ينطلق من السعي الإيراني لامتلاك القدرة على التأثير في مسار انتقال بترول
الخليج إلى الغرب وذلك في إطار المواجهة الإيرانية مع الولايات المتحدة والدول
الأوروبية ، كما أن زيادة الوجود الإيراني في تلك المنطقة لا يهدد الأمن القومي
لليمن فقط ، ولكنه يستهدف كذلك الأمن القومي السعودي ، والأمن في البحر الأحمر بصفة
عامة.
هكذا تصبح هذه التحديات والمخاطر التي تشكل الأزمة اليمنية تحديات ومخاطر
للأمن القومي لدول الجزيرة العربية وللأمن القومي العربي في النهاية ، الأمر الذي
يفرض ضرورة الانتباه وتوجيه مزيد من الاهتمام العربي الجماعي ، وتقديم المساندة
السياسية والاقتصادية للحكومة اليمنية لدعم مشروعاتهم التنموية ومساعدتها في مواجهة
القوى التي تهدد الوحدة والاستقرار واتخاذ خطوات أكثر جدية وفاعلية في مواجهة
الامتداد الخارجي الأمني والمذهبي بما يدعم الأمن القومي العربي في النهاية ، ومن
الضروري توجيه دول الخليج مزيدا من الاهتمام بالتطورات اليمنية ، وقد يتطلب الأمر
إنشاء صندوق لتمويل خطط للبنية الأساسية بصورة مباشرة تغطي الاحتياجات اليمنية فيما
يتعلق بالطرق والمدارس وتعمير مناطق الشمال ، والخدمات الأساسية في بعض محافظات
الجنوب وتطوير الموانيء والمطارات لتدخل اليمن سوق الخدمات البحرية ويمكن توفير فرص
العمل ومواجهة البطالة ، كما أن الفرصة متاحة لمبادرة جامعة الدول العربية بتنظيم
مؤتمر للحوار بين الحزب الحاكم في اليمن وقوى الحراك الجنوبي تحت سقف وحدة الوطن ،
وهو ما يؤكد الحرص العربي على وحدة اليمن ويفوت الفرصة على دعاة الانفصال ، ويساهم
في توفير مناخ التهدئة والاستقرار لليمن السعيد.