فاروق الجفري
ظاهرة الانتحار بين الفنانين والأدباء تفشت بصورة واضحة في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية علاوة على أنها كانت شبه تقليد قديم في اليابان، لقد كان عدد من الفنانين والأدباء الألمان الذين فروا من جحيم النازية في ألمانيا بقيادة "هتلر" إلى فرنسا والسويد وعاشوا تجربة الغربة الرهيبة وتحملوا المواجهة فضلوا الانتحار لاشك أن دوافعهم كانت مختلفة إلا إذا ما اعتبرنا أن الانتحار حالة مرضية نفسية ويبقى السؤال لماذا اختاروا وضع نهاية لحياتهم؟ في اعتقادنا لم تكن الصعوبات المادية وحدها وراء الانتحار إذ لابد من أخذ ماضي كل فرد منهم بعين الاعتبار غير أن الظروف المتشابهة كثيراً ما تفضي إلى سلوك متشابه، ففي حفل تأبين الأديب "جوزف روت" المنتحر عام 1939م صرح الفنان "ستيفان لانج" في كلمة ألقاها في الحفل أن الهلع الذي أصاب نفسية الأديب "جوزف روت" من فكرة انتصار "هتلر" وسط هيمنته على كامل أوروبا دون أمل في الإنقاذ شاركه فيه الرسام "والتر إيرباخ" ويمكن رصد قلق الفنان "مالت إيرباخ" وما يفسر أنه دفع دفعاً باتجاه الانتحار في رسالة منه إلى الأديب "جوزف روت" ويقول في رسالته أن الشك وعدم اليقين فيما قد يكون عليه شكل اليوم إذا احتلت ألمانيا النازية بقيادة "هتلر" أوروبا وما قد تحمله الساعة القادمة يؤرقه منذ أسابيع عديدة لهذا أقدم على الانتحار، أما النحات "سايفرت بل" لم يقلقه الهم بالظروف المادية وإنما رؤيا المستقبل المسدود في حالة احتلال "هتلر" أوروبا لهذا أقدم على الانتحار.
الخلاصة هل هؤلاء الأدباء والفنانون ما كانوا لينتحروا لو لم توجد النازية الهتلرية مثلاً؟ يبدو الأمر كذلك لذلك فإن ظاهرة الانتحار لدى الأدباء والفنانين ليست بالضرورة ظاهرة مرضية ونتاج حالات نفسية فقط ولكنها قد تكون نتاج ظروف تاريخية أيضاً.