زياد أبو شاويش
أصبح الأول من أيار عيداً للعمال بفضل تضحياتهم وما قدموه على طريق الحرية والمساواة، وقد ترسخ هذا التاريخ متصدراً العديد من المناسبات العالمية بحكم أنه يخص الطبقة الأكبر عددا من طبقات المجتمع في كل الدنيا من جهة، ولأن العمال سيظلون الأقدر على حمل راية التقدم بمعناه المادي والإنساني من الجهة الأخرى.
في معاني هذا العيد تبرز الحاجة لمنح الطبقة العاملة دوراً يتناسب مع حجمها ومع ما تقدمه من خدمات في مجتمعاتها ولمجتمعاتها، وهو دور من المفترض أن يكون مقررا بالمعنى السياسي والاجتماعي، ومثل هذا الدور فازت به هذه الطبقة تحت شعار الاشتراكية وفي ظل دولتها المتجسدة في العديد من البلدان، وإن كان التلف قد لحق بها قبل اكتمال ونضج التجربة..في الصين على سبيل المثال، وربما في كوريا وكوبا والعديد من دول أمريكا اللاتينية، نجحت الطبقة العاملة وممثلوها من الأحزاب وبمشاركة من يسار تلك الدول وممثليه في تسيّد المشهد السياسي والسلطة السياسية بجدارة رغم كل العراقيل التي تواجهها ورغم التهديدات الأمريكية وتدخلاتها الفجة في شؤونها الداخلية، كما في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة وتغول رأسمالي متصاعد، والميل للعنف في معالجة معضلات الإفلاس المتسارع لعشرات البنوك الرأسمالية ومؤسساتها المصرفية والائتمانية.
هذا الطابع الجديد لنمو وتطور المجتمعات الاشتراكية حيث النظام لا يطبق قوانين التحول بطريقة لينينية، أو تبعاً للنموذج السوفييتي المنهار، يجري إشراك العمال بطريقة أفضل في الحياة السياسية كما في صنع القرارات المؤثرة في مستقبل تلك البلدان وأنظمتها، وهو ما تحاول تقليده بعض الأنظمة الرأسمالية خاصة بعد اندلاع الأزمة الحادة للرأسمال العالمي قبل عام ونيف.
إن تعقيدات الحياة الرأسمالية وعدم وجود ضمانات مؤكدة لاستمرار النمو الاقتصادي في مجتمعاتها رغم تجربتها الطويلة في معايشة أزمات دورية وطارئة، وكذلك نمو الثقافة العامة ووسائل الاتصالات، يجعل من مهمة السيطرة على قوى الإنتاج وأدواته عملاً صعباً للغاية بعكس ما هو مفترض ظاهرياً؛ ذلك أن ما ذكرناه يؤدي غالباً لميول ونزعات فردية نرجسية تجافي قيم التعاون والتآزر في مواجهة الخطوب والمعضلات وتتجه أغلبية البلدان لمعالجات ذاتية بعيداً عن سيطرة المركز الرأسمالي، رغم الاجتماعات والمؤتمرات المشتركة مما شاهدنا بعض نماذجه غداة بروز الأزمة بعنف.
إن اتساع حجم الطبقة العاملة رغم تطور التقنية ووسائل الإنتاج لا يعني أن هذا التطور لا يقذف عدداً متزايداً منهم خارج عملية الإنتاج وتحويلهم إلى عاطلين عن العمل، فهو يفعل، لكنه يعني كذلك تغيراً في تركيبة هذه الطبقة وانضمام مهن جديدة وعمالة من نوع آخر للسوق مما يؤدي بشكل مضطرد لاتساع حجم هذه الطبقة، وهكذا ستنضم وباستمرار أعداد جديدة لهذه الطبقة.
الطبقة العاملة ليست عمال المصانع فقط أو البروليتاريا، كما كانت في السابق، بل طيف واسع من مستخدمي قدراتهم الجسدية في الإنتاج ومعهم آخرون ممن فرض عليهم أن يختاروا وظائف ومهن ذهنية وقدرات فنية وباتوا يمثلون اليوم نسبة لا يستهان بها في المجتمع.
الأول من أيار شهد في سنوات خلت عزاً ومجداً لا يضاهيه ما نراه اليوم وربما غداً، لكنه لم يكن يعبر في الحقيقة عن واقع ملموس يقول ويؤكد معاني هذا اليوم العظيم والمجيد في التاريخ الإنساني، ولهذا تحدثنا عن توقعات لغد أكثر إشراقاً للطبقة العاملة لكنه أقل صخباً وبريقاً من الماضي حين كانت هناك منظومة اشتراكية أمل العمال في أن تنصر قضيتهم بشكل كامل ونهائي، لكنها لم تفعل وخسرت الرهان لأسباب كثيرة ليس من بينها تخاذل هذه الطبقة في الدفاع عن مصالحها أو خيانتها لقضية الاشتراكية التي حلمت بها والتي لا تزال تعمل من أجلها، ولكن بصور وطرق مختلفة عن الماضي بقوالبه الجامدة.
اليوم يحتفل العالم بعيد العمال وقد بدأت تباشير الخروج من الأزمة في الظهور وسيعمد الرأسماليون إلى توفير كل الجهد والمكاسب للطبقة المسيطرة على النظام الرأسمالي ومن أجل الحفاظ على مكتسباتها وأمنها السياسي، بعد أن عملت الأزمة تمزيقاً وتشريداً لنسبة كبيرة من العمال في الدول الرأسمالية، وحيث كانت المعالجة على حساب هؤلاء العمال ولا أدل على ذلك من نسبة البطالة غير المسبوقة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الرأسمالية الأخرى.
في الوطن العربي المسكون بهمومه السياسية ومشكلاته التنموية المزمنة يمر عيد العمال كغيره من الأيام والمناسبات دون إحداث أي تطور ذي قيمة حقيقية على حياة الناس أو باتجاه تحقيق أحلامهم في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما أنه يمر حزيناً على فلسطين وطبقتها العاملة في ظل انقسام مزمن وفقدان الطريق لنهاية مشرفة له، وكذلك في ظل أنباء عن قبول رئيس السلطة محمود عباس العودة للمفاوضات، رغم رفض العدو الإسرائيلي وقف بناء المستوطنات وتهويد القدس، ورغم استمرار القمع والبطش والحصار في الضفة وغزة.
يا عمال فلسطين اتحدوا، ويا عمال الأمة العربية اتحدوا، فوحدتكم هي بداية صحيحة لتغيير يجعل من عيد العمال عيداً وطنياً بامتياز لكل قطر عربي وقد يقود لوحدتنا التي نحلم بها منذ عقود طويلة..
عاشت الطبقة العاملة، المجد لشهدائها الأبرار، ولكل شهداء فلسطين والأمة العربية، والخلود لرسالة الطبقة العاملة، رسالة الحب والسلام والمساواة.
العرب أونلاين