علي محمد الحزمي
ما إن بدأ تسريب مشروع قانون الإعلام الجديد بين مختلف الأوساط إلا وبدأت انتفاضة الأقلام تنادي برفض هذا المشروع برمته ، لأنه يهدف إلى جعل الحصول على ترخيص وسيلة إعلاميه مقروءة أو مسموعة أو مرئية وحتى إلكترونية ضربا من الخيال ومن المستحيلات التي لا تجدي معها المحاولات من أجل الوصول إلى هذه الغاية ، ولعل من قاموا بإعداد هذا المشروع لم يذهبوا بعيدا في الاستفادة من طريقة حكومتنا الرشيدة في تسريب مواده قبل طرحه للبرلمان من أجل إقراره وهو أمر تعودنا عليه كثيرا في بلادنا من خلال حكوماتها المتوالية منذ أن بدأت الجرعات تقتحم حياتنا والخطط الخمسية تداعب أسماعنا ، فغالبا ما تعمد الحكومة إلى جس نبض الشارع من خلال نشر بعض الأخبار عن زيادة محتملة في أسعار القوت أو رفع الدعم عن المشتقات النفطية أو غيرها من المواد الغذائية ومن ثم يتسنى لها طرح ما تشاء وعلى طريقة الموت البطيء.
وإذا كان مشروع الإعلام المنتظر والذي هو عبارة عن مشروع قانون إعدام الحريات مصادرة حق الرأي الآخر قد حمل في طياته الكثير من النقاط التي تجلب الجنون في غمضة عين لكل من تسول له نفسه الطموح من أجل الحصول على ترخيص وسيله إعلامية مقروءة كانت أو مسموعة ، فالملايين التي احتوتها فقرات هذا المشروع تجعلنا نتخيل للحظات أن هذه الأرقام في مقدور أي شخص الحصول عليها ،لنصحو من أحلام يقظتنا على واقع الألم والبحث عن القوت قبل البحث عن الديمقراطية ، وأن مقدار النهضة العالمية في مجال الإعلام كما يقال العالم أصبح قرية صغيرة ، فمن المستحيل أن نفكر حتى باللحاق بالركب العالمي في هذا المجال فالذين وضعوا هذا المشروع من وجهة نظرهم أن هذه المبالغ عادية لأنهم يستطيعون الحصول عليها بعدة طرق ووسائل في حال أن يكونوا من الذين يعيشون بعيدا عن واقعنا نحن الشعب ، وإذا وضعه بعض من يهتمون ولو قليلا بأمرنا فهنا الكارثة أكبر حيث وأنهم يدركون تماما انه من المستحيلات ، وصدقوني هم معذورون لعدة أسباب سأوردها هنا لكم فعلى سبيل المثال هل تتوقعون أن هذا المسئول أو هذا الوزير حين يستيقظ من نومه يتجه إلى أقرب مخبز ويشتري رغيف الخبر كما هو حالنا ؟؟!!
وهل تعتقدون أنه يقف في الشارع إلى مدة تصل إلى الساعة أحيانا في انتظار وسيلة مواصلات تقله إلى عمله في موعده ؟ وهل يذهب إلى السوق ليشتري أغراض البيت من قوت وملبس وغيره ؟وهل يراوده كابوس المؤجر في نهاية كل شهر ؟ وهل يمشي من الشوارع الخلفية ولا يعود إلى البيت إلا مساءا خوفاً من مطالب صاحب البقالة والخضار والبيت والكهرباء والماء ؟ صدقوني هم معذورون لأنهم منذ توليهم مناصبهم وهم يعتقدون أن الأسعار لازالت كما هي عليه وينسى أحدهم أنه مضى على تقليده المنصب ما يقارب عقدين من الزمن وهو يتنقل من منصب إلى آخر ؟ والدنيا لا زالت بخير وكل شيئ تمام التمام - حسب اعتقادهم.
هم يستلمون رواتبهم ودخلهم يكون غالبا في خانة الستة أرقام إن لم يكن في السبعة ، فهم لا يعايشونا ولا يعرفون شيئا عن حياتنا ولهم العذر منا كل العذر ، فنحن أقحمناهم ووضعناهم في موضع المسئولية وجعلناهم يحملون هموم الضيافات والسفريات وروتين الدبلوماسية ، فجعلنا أعينهم تصاب بالحساسية من أضواء الكاميرات ، وأرهقناهم بالفعل فجعلناهم يركبون السيارات وحرمناهم من متعة المشي بالأقدام لما فيه من صحة الجسم والعقل ، وجعلناهم لا ينامون الليل في ظل وجود فعالية وطنية أو مهمة تتطلب منهم الحرص على الأغلبية المطلقة في كل استفتاء أو انتخاب ، وهم بالطبع بشر يا عباد الله ، هم أصحاب العقول ونحن التابعون الجاهلون الذين لا نفطن شيئا في أمور حياتنا فكيف لنا أن نتولى المناصب ؟!!
هم يأكلون ويشربون ويسرحون ويمرحون ، ونحن انشغلنا بالحديث عنهم في كل مجلس ، فحملنا عنهم كل شيء حتى خطاياهم وآثامهم بالغيبة والنميمة ، نحن المستضعفين في الأرض إن رزقنا الله بقوت يومنا بطرنا بالنعمة وقمنا نتحدث عنهم بكل صواب وخطأ ، أو ليسوا هم الأخيار ؟؟!!
إذا ماذا تنتظرون أيها الإعلاميون فالمشروع إلى الآن هو مجرد مشروع قانون وبالتأكيد سيتم طبخه على نار هادئة وستكمم الأفواه وتخرس الألسن وسنظل نحن اليمنيين نحمل وبكل فخر الرقم واحد من أسفل القائمة في كل مجالات الحياة من تطور ونهوض ومواكبة للعصر بل وأبسط معاني العيش بكرامه.
فإما أن نعي أنهم يعملون كل شيء لصالحنا بالتأكيد من أجل أن نحظى بشرف الموت بسرعة ونرتاح من هم القيل والقال وهم القوت والقات وهم الغاز ومصاريف الحياة وهم البحث ليل نهار من أجل الحصول على عمل.
فلندعوا الله أن يهدي ولاة أمورنا ويهدينا إلى طريق الخير والصواب ، وأن يجعل لنا الخير في مقاصدنا ومبتغانا وأن يوفقنا لما فيه رضاه سبحانه وتعالى فأحلامنا تموت في مهدها ودموعنا تجف في محاجرها وفي الصبر خير ،فلعل من بعده يأتي الفرج ولو بعد حين.