ماهر أبوطير
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً. استيقظت متثاقلاً. شاشة التلفزيون أمامي تبث خبراً عاجلاً ، يقول إنهيار المسجد الأقصى، بشكل مفاجئ ، وقوات الاحتلال تحيط بالموقع وتمنع دخول أحد إلى الحرم القدسي.
بعد يوم واحد من انهيار المسجد الاقصى يتداعى العرب الى قمة عربية عاجلة لبحث الحدث الجلل ، بيان منسوخ عن القمم السابقة سوف يصدر وتهديد ووعيد لاسرائيل ، واتصالات سرية معها، لطلب صبرها على الغضبة العربية المباعة للجماهير فقط. مسيرات ومظاهرات في الشوارع من موريتانيا إلى باكستان. مواجهات مع شرطة القمع في كل مكان. وحرائق لدمى تمثل نتنياهو وأوباما، وبضعة حجارة تتساقط على سفارات غربية هنا وهناك، ومسيرات غاضبة في الضفة الغربية يتم اطلاق مليون رصاصة فيها إلى السماء ، بدلا من العدو على الارض، وشموع في فلسطين الثمانية والاربعين، وغضب عارم في غزة.
اليوم الثاني تزداد حدة المظاهرات والمسيرات، وتمتد الى دول اخرى ، وقد تأمر بها انظمة شمولية لاستيعاب رد فعل الجماهير. ودعوة إلى قمة اسلامية عاجلة ، يتم خلالها اصدار بيان آخر يشابه بيان القمة العربية ، واعتذارات من تحت الطاولة لاسرائيل ، لان البيان حاد قليلا في اللغة ، وشكوى يُقرر العرب والمسلمون تقديمها الى "اليونسكو" باعتبار ان الاقصى اثر تاريخي ، وليس مسرى محمد ومعراجه صلى الله عليه وسلم، وشكوى الى الامم المتحدة ، وقرار دولي يُندد ويبقى حبرا على الورق ، ويضاف الى سلسلة القرارات التي تصدر ويمسح دبلوماسيو الامم المتحدة افواههم بها ، بعد تناول "السوشي" في مطاعم نيويورك الفاخرة والآسيوية.
في اليوم الثالث ، يتم توزيع رسائل عبر الموبايل لقراءة سورة "الزلزلة" على اسرائيل ، وقراءة سورة "الكافرون" ، ونواح على شاشات التلفزة من فقهاء مستأجرين لهذه الغايات ، يقولون لك بشكل خبيث ان ما جرى دليل على الحقد الصهيوني ، وان هذا قضاء وقدر ، ويأتي شيخ مُعمم من اولئك الذين باعوا عرضهم وضميرهم للشيطان ، فيقولون ان النصر قريب ، وان النصر صبر ساعة ، وان الارض كلها طهور ، وانه يجوز الصلاة في اي مكان في القدس ، باعتبار ان كل القدس حرم ، وانه يجوز الصلاة فوق الانقاض ، ربما ، وانه ايضا هناك وعد رباني لليهود بقيام دولتهم ، وقوتهم ، وان الله يُمددهم بأموال وبنين ، لا قبل لنا بها ، وان الله سينتقم من الاعداء.
في اليوم الرابع ، تبدأ جرافات الاحتلال الاسرائيلي بازالة الانقاض ، تجرف كل حجارة المسجد الاقصى ، وكل البنيان ، وتزيلها من المنطقة ، فيما تقوم القوات باعتقال المئات من ابناء القدس ، من سكان البلدة القديمة والشيخ جراح وسلوان والمناطق المجاورة ، وتنقل اسرائيل الانقاض الى ساحة "المصرارة" قرب اسوار القدس ، وتمنح المقدسيين فرصة لاخذ حجر لكل بيت على سبيل التذكار ، من حجارة المسجد المهدوم ، تحت شعار "العوض بسلامتكم" ، وقد تتبرع اسرائيل بارسال حجارة على سبيل التهادي الى دول عديدة ، على اساس "تهادوا تحابوا".
في اليوم الخامس ، يتدفق المتطرفون والحاخامات الاسرائيليون الى الموقع الذي تم تنظيفه ويصلون بضع صلوات شكرا وحمدا على هذا الانجاز ، ويحرق المتطرفون اطنانا من الصحف العربية والقرارات، في موقد اقيم للتدفئة في ذلك الموقع ، كون الفصل فصل شتاء ، وتمنع دول عربية واسلامية المظاهرات ، باعتبارها مضيعة للوقت ، وان قضاء الله قد حل ، وان لا راد لامر الله ، وان للبيت ربا يحميه ، ويخرج "دجال" عبر الشاشة ليقول اذا كان ربه لم يحمه ، كمسجد ، فهل سنقدر نحن على حمايته والعياذ بالله ، ومن نحن يا عبيد حتى نقدر على شيء لم تفعله ارادة الله. نسكت ونفكر في الكلام ، ونبدأ بدخول عهد الردة بشكل رسمي ، لاننا فهمنا اننا احسن الخلق ، واننا نستحق نزول الملائكة عند كل مشادة.
في اليوم السادس ، يعود العرب الى بيوتهم. بعضنا يشتري اغراض العشاء. البعض الآخر يفكر في صحن فول مُدمس ساخن. البعض الثالث يُفكر بتهريبة" مخدرات" تقيه شر الفقر عبر البحار الى اوروبا. البعض الرّابع يقرر ان يبحث عن حل عبر الزهد والهروب الى الجبال. البعض الاخر يطالب بقطع ايدي النساء وارجلهن باعتبار ان كشف العورة ادى الى كل هذه الهزائم. والبعض الآخر يرتد عن امته ودينه والعياذ بالله ، والبعض الأخير يتيه في بحر مالح ، امام هذه الفتنة ، وبعض آخر يريد فتوى تسمح له بزواج المتعة.
في اليوم السابع ، ويكون يوم جمعة ، تقام صلاة الجمعة في كل مكان. عدا المسجد الاقصى. نأخذ دشا ساخنا في الصباح ، بعد ليلة باهتة او ساخنة . لا فرق. نذهب الى المساجد القريبة. نُصلي وندعو على الكافرين ، ونعود الى جبل من الارز لالتهام الغداء والنوم مثل "سلحفاة مقلوبة" على ظهرها. فيما تضع اسرائيل حجر الاساس لبناء هيكل سليمان على انقاض المسجد الاقصى ، ويخرج خطيب مستأجر لهذه السلطة او تلك ليقول ان المسجد الاقصى ليس مهما يا جماعة ولو كان مهما لما انتقلت القبلة منه الى الكعبة ذات زمن.
ليست تهيئة نفسية لهدم المسجد لاسمح الله، لكن قولوا لي ما الذي سيفعله عرب الألفية الثالثة، غير الذي أقول؟.
* كاتب أردني - العرب أونلاين
Alarab Online. c All rights reserved.