علي محمد الحزمي
أيها الأب الحنون : أغرقنا دمع العيون، وأثقلتنا الديون، وأقسمنا بأنّا وحدويون حتى تدركنا المنون،ولم نعد ندري من نكون !! لم يعد وطننا يسعنا، ولم تعد لقمة البركة تكفينا، ولا رداء العافية يكسينا، فنار الأسعار تكوينا، ومرارة العيش تؤرقنا، صرخنا بألم، وقد زاد السقم، فصرنا كالعدم، ولم نبدي الندم، حفظنا العهد، وانتظرنا الوعد، فلا رأينا ابتسامة المستقبل، ولا وصلنا لمرحلة الأفضل.
الخوف يتملكنا كلما قلنا كلمة حق، والعيون تتربص بنا إن سلكنا مسلك الصدق، والوعيد يحيط بنا من كل الجوانب، والوظائف أصبحت من نصيب الأجانب،فلا ندري أيهما المخطئ أوالصائب، الأماني تهجر أرواحنا،والأحلام تغادر قبل ولادتها، والدمع من كثر انهماره جف في الأحداق، وأحرقنا ما كتبناه على الأوراق، فإن عاتبناكم عتاب الأحباب وصمونا بالخيانة، وإن مدحناكم بولاية الأمر اتهمونا بالدجل والنفاق، وزرع الفتنة والشقاق، فأصبحت حياتنا لا تطاق، والعابثون يجولون ليل نهار، يهلكون الحرث والنسل.
جعلوا بيننا وبينك ألف حجاب وحاجب، وأهملوا كل شاعر وكاتب، وقالوا لك بأن الشعب خائب، وهذا حاسد وذاك كاذب، فاحتملنا الغلائب، وتجرعنا المصائب، فهجرونا الأقارب، وصرنا كالعقارب، لا نصاحب، ولا نقارب، مات من عفافه الشريف، وأصبح المبدع في الرصيف، ولم نجد سيدي الرغيف، فآمالنا أضحت كأحلام الخريف، وكأننا لا نملك القرار، ليس لنا يا سيدي اختيار، حياتنا مرار، وموتنا وقار، رحيلنا شعار، وكلنا فرار.
قلبوا لك الأمور، ومحوا من وجباتنا قائمة الفطور، وموعد السحور، أيامنا صيام، وليلنا ظلام، ونحن في الزحام، نقول بابتسام : لبيك يا علي، لبيك يا يمن، فنأكل الكلام ونشرب الكلام ونلبس الكلام، ليس لنا يا سيدي سوى الكلام، كان مباحاً سيدي بعض الكلام، واليوم أضحى انتقاد العابثين هنا حرام، حتى وإن كان كلام، وهكذا قلبوا الأمور، وصرحوا كله تمام.
مشوارنا طويل، ودربنا عليل، وزادنا قليل، لا نملك الدليل، وإن شكينا ضعفنا أو خوفنا قالوا لنا نختار مابين السكوت أو الرحيل، فنحن لا نملك لا نعرف لا نعشق غير هذا الوطن، ليس لنا فيه سكن، ضاقت بنا صنعاء من قبل عدن، حتى إذا شئنا الكفن، لا نملك الثمن !
فلا ندري من نلوم، وحياتنا مليئة بالهموم، ونحن نصرخ كل يوم، متى ستنقشع الغيوم، ونلقى مسؤولينا عند اللزوم، فهم لا يحضرون إلا بالمحافل، ولا يبتسمون إلا في المقايل، ويحملون صفة المناضل، ويبدعون في ترك المسائل، فلا تصلك منا الرسائل، ولا تسمع إلا مديحهم عبر كل الوسائل، فحكاياتهم مهازل، ويقولون بأنهم الأخيار والأفاضل، ومنزلتهم لديك في الأوائل، ونحن في أخبارهم ليس لنا وجود، وكل شيء في حياتنا له حدود، حتى الرقود، وإن شكينا من مآسينا لهم لم نجد غير الوعود.
أوهمونا بالعيش الرغيد، وأرعبونا بالحبس والوعيد، فأصبحنا نتكلم بلا صوت، ونأكل بلا قوت، ونبتسم عنوة حين الموت، فإن منّ الله علينا بنعمة، جعلوها لنا نقمة،وحاسبونا في اللقمة، ونصحونا بالحكمة، فالصمت حكمة، والخوف حكمة، وكل شيء خلق لحكمة، ومن تكلم أدعو له بالرحمة.
أصبحنا نحسد الأغراب في وطننا، لأنهم يعيشون في نعيم، ونحن في جحيم، فرواتبهم بالدولار، ورواتب موظفينا لا تكفي للإيجار، فيستبد بنا التجار، تغتالنا الأسعار، ولم تعد هنا قيمة للريال،وتكاثر الأحبوش والصومال، وعلينا تفرض القيود، ولغيرنا الحق في ثرواتنا ووظائفنا، فالدكاترة بنجلادشيين وهنود، والمعلمون من بلاد الكنانة، عرب وعجم، والتجار من بلاد الشام، وقيمة حلاقة الرأس تتجاوز قيمة مصروف أسرة بكاملها في يومها، لأن الخبير الحلاق أجنبي، ومسؤلينا يتحدثون عن الإحلال، فلا ندري هل إحلالهم في وظائفنا، وإسكانهم في ديارنا، أم لهم الحق في امتلاك المحلات والعقارات، ونحن نفترش أرصفة الجولات،فبالغنا بالكرم حتى نسينا قوت يومنا، وأخذتنا الشهامة، حتى فقدنا الزعامة، أعمالنا محصورة في البناء، وأعمالهم تتيح لهم الثراء، فهم السعداء ونحن الأشقياء، ولا عزاء إن صوتنا شق الفضاء، ولم يسمعنا أحد، إن طلبنا الإنصاف، ترتعش الأطراف، وتنكسر الأجداف، ونخشى من أن ينتهي بنا الحال والمطاف في غياهب الإسعاف، أو دهاليز الذهاب بلا عودة، فهل ذنبنا أننا وطنيون، أم هي جريمة أن نكتب إليك عن مآسينا ؟ أو أن الرحيل هو الخيار الأمثل، كي نحلم بالغد الأجمل، والمستقبل الأفضل، أم أننا أخطأنا حين عملنا بحكمة (من خرج من داره قل مقداره) ؟؟!! أعلم أن حروفي ستكون وبالا علي، فلا أدري هل ستصلك، قبل أن تصل إلى أياديهم فترمى بتهمة اللاإنسانية، والخيانة الوطنية، أم أن مشاغلك كثيرة، ومسؤلياتك كبيرة، ولم نرضاك إلا قائدا للمسيرة، وأباً للجماهير الغفيرة، وكل أملي أن تسمع الكلمة الأخيرة. . . سيدي. . . أو لسنا أحق بهذا الوطن من غيرنا ؟؟؟!!. <
التوقيع/مواطن يمني