المدّ القومي العربي واحتلال العراق وانهيار مشروعه الحضاري، ومع ازدياد حجم
التمدّد الفارسي وانتشار خلاياه السياسية والإعلامية والثقافية في جسد الأمة، برزت
ظاهرة الشعوبية الجديدة والتي يقودها البعض ممن يقول عنهم الزمخشري في "أساس
البلاغة": إنهم "يصغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلا على غيرهم".
بوادرها في الظهور أيام العصر الأموي، ثم ارتفع سقفها زمن الخلافة العباسية، على
أساس تفضيل العجم وبخاصة الفرس على العرب.
وعنها يقول القرطبي: إنها حركة تبغض
العرب وتفضل العجم..
في حين تعرّفها الموسوعة البريطانية بأنها "كل اتجاه مناوئ
للعروبة".
والشعوبية الجديدة لا
تختلف عن شعوبية أبي القاسم الفردوسي صاحب "الشاهنامة" أو "ملك الكتب" المخصص
لتحقير شأن العرب وتمجيد شأن الفرس وملوكهم، غير أن ما يمتاز به الشعوبيون الجدد هو
امتلاكهم أجهزة الإعلام ومراكز الثقافة ومؤسسات النشر والطبع والتوزيع والدعم
المالي المباشر وغير المباشر من قبل إيران وأتباعها في المنطقة والعالم..
وإذا
كانت الشعوبية قد انطلقت في البدء كحركة مساواة بين العرب حاملي رسالة الإسلام
والشعوب الأخرى، وخاصة المجاورة منها، فإنها- وكما قال الدكتور علي شريعتي المفكر
الإسلامي الإيراني المعروف- "قد تحوّلت إلى حركة تفضيل للعجم على العرب، وعملت على
ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام، إلى ضرب سلطة الخلافة"..
ويتحدث
الدكتور شريعتي عن الصفوية كواحدة من تجليات الحركة الشعوبية فيقول: إنها "..وبغية
ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم، عمدت إلى إضفاء
طابع ديني على عناصر حركتها وجرّها إلى داخل بيت النبي إمعانا في التضليل، ليتمخض
عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية، مستغلة التشيّع لكي تضفي على الشعوبية طابعا
روحيا ساخنا ومسحة قداسة دينية، ولم يكن ذلك الهدف متيسّرا إلا عبر تحويل الدين
الإسلامي وشخصيتَي محمد وعلي إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية، تؤمن بأفضلية التراب
والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص"..
ويعتمد الشعوبيون الجدد على
الترويج لفكرة مفادها أن لا تحرير لفلسطين والقدس إلا على أيدي الفرس، وأن لا نصر
من الله في بلاد العرب إلا للأحزاب الشيعية ولمن والاها، وأن لا رجاء ولا أمل من
العرب والعروبة والقومية العربية.
ويصل بعضهم إلى القول إن بكتاب "الجفر" للإمام
علي نبوءة مفادها أن القدس لن تتحرر إلا بهيمنة الفرس على البلاد العربية.
وقد
أشار الخميني إلى ذلك حين قال إن الطريق إلى القدس تمر من كربلاء؛ وصدقه أتباعه يوم
سقوط العراق ووقوعه بين براثن الاحتلال الأمريكي والفارسي.
وإذا كان الشعوبي
الأول، أبو لؤلؤة الفيروزي، قد انتقم للدولة الساسانية باغتياله الخليفة عمر بن
الخطاب، فإن الشعوبيين الجدد انتقموا لحرب السنوات الثماني باغتيال صدام
حسين..
وإذا كان المأمون قد استعان بالشعوبيين ضد أخيه الأمين، فإن في زمننا
الحاضر أكثر من مأمون وأكثر من أمين..
وإذا كانت الشعوبية الأولى قد أنشأت
الكثير من الفرق الباطنية المعادية للعرب والعروبة، فإن الشعوبيين الجدد أسسوا
ويؤسسون تنظيمات وخلايا وحركات على امتداد الوطن الكبير، ليس ما ظهر منه في العراق
ولبنان والخليج وما كشف عنه في المغرب ومصر واليمن وفلسطين إلا البعض مما يخفيه،
خدمةً لمشروع إمبراطوري فارسي بدأت معالمه تتضح، ورياحه الصفراء تهب بقوة.