محمد اليامي
تزداد يوماً بعد يوم وتكاد تهلك الحرث والنسل، ولم تكن هذه الأزمة نتيجة لخلافات
ناشئة مع جيراننا فعلاقتنا مع أغلب الجيران في أحسن حال، ولم تكن هذه الأزمة بسب،
إشكالات إقليمية فسياساتنا الأقليمية أكثر من جيدة إلى حد كبير، ولم تكن أيضاً بسبب
تردي علاقتنا الدولية فهي أيضا أكثر من جيد، ولكن خلافاتنا وأزماتنا السياسية تكمن
بين أبناء الوطن الواحد وتكمن بين
فرقاء العمل السياسي النظام القائم والمعارض لهذا النظام فالنظام القائم وعلى
مر عشرات السنين قد استأثر بالدولة والثروة على حد سواء وزاد قبضته وسطوته يوماً
بعد يوم ولف حوله أعداداً كبيرة من المنتفعين والنفعيين الذين يحسنون كل قبيح
ويقبحون كل جميل ووقفوا سداً منيعاً بين الشعوب صاحبت المصلحة الحقيقية في الوطن
وبين نظامه السياسي حتى ازدادت الهوة وكبرت منافع الفاسدين وتشابكت المصالح على
حساب الأرض والإنسان، فضعف الولاء الوطني واتسعت دائرة الفقر وزادت رقعة الظلم
والمظالم واهتزت ثقة الناس بمؤسسات الدولة.
ومما لا شك فيه بأن أزمتنا السياسية
ليست وليدة اللحظة بل إنها امتداد لأزمات سابقة منذ قيام الثورة عام 1962م وما
قبلها وما تلاها من أحداث، ومن وجهة نظري فإن أهداف الثورة كانت يمنية وطنية خالصة
وكان الثورة وحدة واحدة في 26 سبتمبر وفي 14 أكتوبر ومصدر للثورة والثوار، كانت
شاملة جامعة لمختلف مناطق اليمن، ولو وقفنا وقفة مراجعة حقيقية مع النفس بصدق
النوايا وحسن الإدراك لوجدنا أن أهداف الثورة اليمنية لم تحقق كاملة كما ينبغي وكما
رسمها صانعو الثورة، ولو أن بعض الأهداف قد تحققت فعلاً ولو بشكل جزئي باستثناء
تحقيق الهدف الاسمى والأعظم وهو تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو من عام
90م إلا أنها كالنسر الجريح الذي تنهشه الذئاب من كل جانب فها نحن نرى السهام تتصوب
نحو وحدتنا مصدر قوتنا وعزتنا.
ونحن نقرأ أهداف الثورة يومياً في الصحف الرسمية
نلحظ أن احترام تلك الأهداف بدأ يخفت من على صدر الصحف الرسمية والتي باتت ترفع صور
المغنيات والراقصات فوق أهداف الثورة ويا للأسف البالغ.
ولو راجعنا أهداف الثورة
على عجل ونظرنا للهدف الأول وهو التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة
حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات لوجدنا الاستبداد لا
يزال جاثماً فأن يظل الوزير وزيراً لعشرات السنين وأن يظل القائد قائداً لعشرات
السنين لا يزيحه إلا الموت فهو الاستبداد بعينه وأن يعين الأقارب والأصحاب دون سائر
اليمنيين فهو الاستبداد بذاته وصفاته.
ولقد رحل عن أرضنا المستعمر ولا زالت
مخلفاته جاثمة على الأرض، فهناك من ينادي بعودة المستعمر بلا حياء ولا خجل وهناك من
يرفع علم المستعمر على أرضنا الطاهرة؟ وعن إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات
ماذا تحقق من هذا الهدف في الجعاشن مديرية ذي سفال محافظة إب وغيرها من مناطق
اليمن؟ ماذا تحقق من هذا الهدف في محافظة الحديدة التي يسكن أبناؤها تحت القش
والصفيح وأجسامهم كجذوع نخل خاوية وأرضهم تستباح من النافذين والقادة الميامين دون
خوف من الله أو رادع من قوانين البلاد؟ وماذا تحقق من هذا الهدف لأبناء عدن البسطاء
الطيبين الذين يكدسون فيما يسمى الداره والتي لا تتسع إلا لشخص أو شخصين ويسكنها
العشرات، أما الهدف الثاني فليعذرني القراء فلن أستطيع الكلام عنه حتى لا أدخل قفص
الاتهام فهي منطقة محظورة ومحصورة النفوذ، أما الهدف الثالث من الأهداف كما هو
الحال لا يخفى على أحد فمستوى الشعب اقتصادياً في تدهور مستمر والتفكك الاجتماعي
يسير على قدم وساق والتمزق السياسي في تصاعد مستمر وثقافة الحقد والكراهية تنتشر
كالهشيهم، أما الهدف الرابع ترى العجب العجاب فالمجتمع ديمقراطي تعاوني عادل القوي
فيه يأكل الضعيف وقوة القبيلة هي السائدة مكان قوة القانون، ولا يستطيع المواطن
اليمني أن يأخذ حقه إلا إذا حالفه الحظ وكان ينتمى إلى قبيلة قوية ذات نفوذ وسلطة
وتمتلك السلاح وتستطيع قطع الطريق ونزع الحقوق بقوة السلاح فلا سيادة للقانون إلا
على الضعفاء والمساكين فقوة القبيلة أوقفت توسع مطار صنعاء الدولي لسنين طويلة حتى
استكمل تعويض القبائل تعويضاً عادلاً، وبينما مطار تعز الدولي تسبب بتشريد المئات
من قراهم ومزارعهم وبدأ التوسع على قدم وساق قبل تعويض المدنيين المسالمين الضعفاء
ويا ويل من يرفع صوته فالأطقم العسكرية له بالمرصاد ويتنتظره السجن والمعتقلات
والطرد من الوظيفة وهكذا.
أما الهدف الخامس فلله الحمد توحدت الأرض ولا زالت
الحاجة ماسة لتوحيد الإنسان ولملمتة الجراح ونشر العدل وثقافة التسامح.
ومما سبق
نستطيع القول بأن الأزمة السياسية الراهنة ليست وليدة الساعة بين نظام يحكم منذ
ثلاثين عاماً ومعارضة بدأت تتسع وتأخذ مكانها في الساحة الوطنية ولكن نتيجة
لتراكمات عديدة منذ فجر الثورة وحتى يومنا هذا وإلا لكانت المعارضة الوحيدة هي التي
تقع تحت يافطة تكتل اللقاء المشترك ولما ظهرت معارضة أحرى كالتي ظهرت في محافظة
صعدة وبعض مديريات محافظة عمران وبدأت تقترب نحو الجوف وتعارض بقوة السلاح وأدخلت
البلاد في أتون صراع مرير سقط ضحيته الآلاف من القتلى والجرحى من أبناء شعبنا، خاضت
حروباً عديدة ولا زالت المؤشرات للحرب القادمة أكثر قتامة ودموية، معارضة أخرى في
جنوب الوطن بدأت مطلبية وسلمية وعفوية وبدأها مجموعة من الضباط المهمشين
والمتقاعدين قسراً وأذكر أنهم حضروا إلى ساحة محافظة عدن بحدود خمسين ضابطاً وصف ثم
ازدادوا إلى ثمانين شخصاً ولقد نصحنا الإخوة في قيادة الأجهزة الأمنية والمجلس
المحلي حينها أن يسمعوا لهم ولمطالبهم في ظل غياب المنطقة الجنوبية فهم أبناء الوطن
لهم حق علينا أن نسمع لمطالبهم ولكن جنون العظمة وعدم تحمل المسؤولية والاستبداد
المفرط في السلطة والاستئثار بها أعمى البصائر حتى تحول الأمر إلى حراك شعبي اتسع
وتمدد شرقاً وغرباً والمسئولون لا يزالون مهووسين بجمع المال وتوسيع الثروات
والتوسع بمساحات الأرض والحراك يزداد تواصلاً حتى سار حركاً انفصالياً يدعوأعمى إلى
فك الارتباط ورفع رايات التشطير التي أزعجتنا جميعاً ووسع من ثقافة الحقد والكراهية
بين أبناء الوطن الواحد. .
ولا ندرى أيها السادة جميعكم سلطة ومعارضة، أحزاباً
وجماعات، أفراداً وزرافات. .
إلى أين تذهبون بناء؟ فاليمن هو وطننا الوحيد ليس
لنا وطن غيره، هذه الأرض ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ليست ملكاً لشخص ولا أسرة ولا
قبيلة ولا لجماعة ولا حزب سياسي، فهي دارنا جميعاً لنا جميعنا الحق في هذا الدار،
لا يحق لأحد أن يستأثر به وحده دون الآخرين ولا يدعي الوصاية عليه أو على جزء منه
فلكل منا فيه نصيب، وعلى الدولة أن تعي هذه الأمر بكل جدية وان لا تفوت الفرصة وأن
تراعي حقوق الآخرين وتحاورهم، والنظام السياسي يتحمل المسؤولية الكبرى لأنه يمتلك
القرار والقرار بيده دون غيره وعليه مراعاة مصالح الأمة بأجمعها وأن يترك مصلحة
الأسرة والقبيلة جانباً، فالأمة مقدمة على الأسرة والقبيلة والحزب وعلى الآخرين أن
يحافظوا على وطنهم ودارهم من الانهيار والخراب وأن لا يشعلوا النار فيه فالنار لو
اشتعلت ستحرق الجميع بلا استثناء وحينها لا ينفع الندم ولا ندري أين ذهبت
الاتفاقيات والحوارات السابقة وأين تكمن المشكلة ومن المسؤول عن تعثر الوفاق هل
الدولة وحزبها الحاكم أم المعارضة وحلفائها؟ فالجميع يشكون ظلم السنين فالمعارضة
تتهم الحزب الحاكم أنه استباح الدولة واستأثر بالوظيفة العامة دون غيره وأن النظام
السياسي يتكئ فقط على الحزب لكي يحكم وأن الحزب الحاكم "لا ناقة له ولا
جمل". .
فما هذا الفصام والنكد ولماذا فقدت مؤسسات الدولة هيبتها واستشرى الفساد
في كل المرافق وضاعت المسؤولية وأصبح الفساد ثقافة يمانية بامتياز وأصبح المسؤول
كالمسافر لا يهمه إلا يومه واتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء ونزلت الطبقة الوسطى
إلى درجة الفقر؟ فما أبقيتم لنا؟ أو تحول القادة والزعماء إلى تجار ومستثمرين
وحولوا الدولة إلى مرتع خصب لزيادة الثروة والنقود وجمعوا بين الأختين الثروة
والحكم واتسعت رقعة الفقر بين اليمنيين.
وفي الأخير أوجه دعوة مخلصة لأبناء وطني
في السلطة والمعارضة على حد سواء وأقول ارحموا شعبكم وارحموا هذا الوطن الذي أنهكته
الصراعات واتقوا الله فينا فأنتم غداً عنا ستسألون، وادعو علماء الأمة إلى أن
يخرجوا من صمتهم ويقولوا كلمة حق مروية لا يخافون في الله لومه لائم، وعلى الجميع
أن يلتقوا جميعاً على مائدة الحوار الوطني الشامل لا لتقاسم السلطة المنهكة أصلاً
ولا للاتفاق على إجراء انتخابات سليمة فقط، ولكن نتمنى من الجميع أن يجتمعوا ليعدوا
مشروعاً حضارياً ينقل اليمن نقلة نوعية كما نقل الائتلاف الإسلامي ماليزيا إلى مصاف
الدول المتقدمة وكما نقل حزب العدالة والتنمية تركيا خلال سنوات فقط من الثراء إلى
الثريا وتعالوا لنفاجئ العالم كما فاجئنا سابقاً بتوحيد اليمن في ظل التمزق
والانكسار العربي لتنفاجئهم مرة أخرى باتفاق يفضي لمشروع حضاري ينهض باليمن
وأبنائها نحو العلاء. .
هذا ما نتمناه وليس على الله بعزيز،، محطة: يقول الرسول
الأعظم صلى الله عليه وسلم )) لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً
حراماً)). .
والذين وضعوا المتفجرات يوم أمس في م/ عدن مديرية التواهي لقتل
الأبرياء قد ذهبوا بعيداً من سعة الإسلام وقد ذهب ضحية الانفجار العقيد/ عبدالله
الثريا الذي توفي صباح أمس هذا الاثنين الساعة ال12 ظهراً في مستشفى صابر، متأثراً
بجراحه،، نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولزملائه الشفاء العاجل. .