حسان حيدر
حسناً
فعل الرئيس اليمني بدعوته الى المصالحة الوطنية في الذكرى العشرين لتوحيد شطري
البلاد، وتشجيعه أحزاب المعارضة كافة على المشاركة في حكومة وحدة، وإصداره عفواً
غير متوقع عن معتقلي حركتي التمرد في الشمال والجنوب على رغم التفاوت الكبير بين
«الحوثيين» و «الحراك الجنوبي» إن لجهة العلاقة بأطراف خارجية او حجم التسلح ومدى
الأعمال العسكرية ضد قوات الجيش والشرطة ودول الجوار.
لكن هل تخرج مبادرته هذه المرة عن اطار المصالحات على الطريقة
العربية وتشكل منطلقاً لوضع حلول لمشكلات اليمن المتفاقمة وضمان عدم
تكرار الأزمات والحروب الداخلية والخارجية؟ في التصنيف الاميركي ل «الدول
الفاشلة»، ارتقى اليمن خلال العام الفائت ثلاث درجات وبات الثامن عشر بين الدول
العشرين الاولى على اللائحة التي يتصدرها دولياً وعربياً الصومال المجاور ويحل
السودان فيها ثالثاً.
ويعتبر التصنيف ان تعريف «الدولة الفاشلة» او
«المرشحة للفشل» على رغم عموميته ينطبق الى حد كبير على الأوضاع اليمنية، حيث
«تتجمع نذر عاصفة» يغذيها نضوب مخزون النفط والمياه، وتراجع العائدات، وتعثر برامج
التنمية المتوازنة، وتدفق اللاجئين من الخارج وبعضهم على علاقة بتنظيم «القاعدة»،
وتكاثر حالات النزوح الداخلي، وقبول الحكومة للأمن بالتراضي في مناطق صعدة وجوارها،
وعجزها عن ضمان الأمن في الجنوب حيث تزداد التحركات الانفصالية ويتسع
تأييدها.
لا بد من ان قيادات المعارضة سمعت من قبل خطابات تصالحية مماثلة للرئيس
علي صالح، وسبق لها ان دخلت معه في حكومات ائتلافية لم تعمر طويلاً، لكنها المرة
الأولى التي تواجه فيها البلاد سلسلة ازمات متزامنة تهدد استقرارها ووحدتها، وتحدق
بها أخطار تستدعي التزاماً جدياً من مختلف الاطراف بالسعي الى
انقاذها.
وبالتأكيد يحق للمعارضة ان تسأل عما آلت اليه الاوضاع بعد عقدين على
الوحدة، ولماذا فشل الحكم في طمأنة مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية، وبالتأكيد
ايضاً يسهل العثور على اجابات وتوجيه اصابع الاتهام بالمسؤولية الى هذا الطرف او
ذاك.
لكن الوضع يتطلب ان يبادر كل طرف سياسي الى التقاط اي فرصة متاحة اذا كان
هدفه فعلاً ابعاد بلده عن «شفير الهاوية»، وهو العنوان الذي اختاره «معهد بروكينغز»
الاميركي عنواناًَ لندوة عن اليمن عقدت اخيراً في الدوحة.
الاحزاب اليمنية اصدرت
بيانات لمناسبة ذكرى الوحدة تحدثت جميعها عن الظروف السياسية والاقتصادية الحرجة
وعن حال التأزم والاحتقان شمالاً وجنوباً، والهدنة الهشة مع مسلحي عبدالملك الحوثي،
والانفلات المتزايد في مناطق الجنوب، والارتفاع الكبير في كلفة المعيشة، وانعدام
التوازن الاجتماعي والاقتصادي بين سائر المحافظات، والتهرب من الوعود الانتخابية،
وسواها الكثير. . .
وباستثناء اتهام الحكم بأنه وراء كل المصائب، ورفع شعارات عامة
تصلح لكل زمان ومكان، لم يضع اي من هذه البيانات اصبعه على الجرح ولم يقل ما هي
الحلول التي يقترحها.
ولهذا فإن الدعوة التي اطلقها علي صالح الى الحوار غير
المشروط الذي يجب ان يفضي الى حكومة وحدة وطنية، تبدو في ظل هذه الخريطة خطوة
متقدمة ويداً ممدودة يجب ان تقابل برد ايجابي من مختلف الاطراف، لا سيما ان الحكم
في اليمن لا يزال يتمتع بدعم عربي ودولي واسع، وخصوصاً من جانب دول الخليج العربية
التي تشعر اكثر من غيرها بخطورة انزلاق جارها الى متاهات التقسيم.
* نقلا عن
"الحياة" اللندنية الحبيب الأسود في احتفال اليمن بالعيد العشرين لإعلان الوحدة، ما
يدعو جميع العرب إلى النظر بعمق إلى واقعهم، فهم منقسمون ومشتتون وضائعون في مهب
رياح التحولات الدولية، وهم يعانون من الأمية والبطالة والفقر وغياب العدالة
الاجتماعية، ومن التبعية للقوى العظمى، ومن الخضوع للواقع الجديد الناتج عن ظهور
بوادر الفتنة المذهبية والطائفية بسبب التدخل الإيراني والتمدّد الشيعي في ظل
انهيار نظرية التوازن الاستراتيجي مع الجار الفارسي بعد احتلال العراق.
ومن يعمل
على استقراء الواقع العربي، يلاحظ أن البعض يحاول أن يجعل من اليمن مخبرا لكل
سلبيات الأمة، ففي اليمن خلايا إرهابية، وفي اليمن تحرك طائفي، وفي اليمن حراك
انفصالي، وفي اليمن ظروف اجتماعية صعبة، وكل ذلك ناتج عن أوضاع إقليمية وقومية
ودولية ليس لشعب اليمن ولا لقيادته دور في تكريسها، وإنما كتب على اليمنيين تحمل
نتائجها في غياب النظرة المتبصرة من قبل الأشقاء. .
خلال قمة سرت الماضية، تحدث
الرئيس المناضل علي عبد الله صالح عن الإعلام العربي الذي يعمل على تأجيج الواقع في
بلاده، وعلى تشويه صورة اليمن، وكاد يوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى فضائيات عربية
بعينها تتحكم فيها إرادة أقطار خليجية من المفترض أن تكون مع الشعب اليمني لا
عليه. .
ولسائل أن يسأل هنا: ما الذي ستجنيه قناة مثل "الجزيرة" من الدفع إلى
إحداث الفوضى في اليمن؟ والجواب واضح، وهو أن "الجزيرة" تنتمي إلى حلف عقائدي
وسياسي لا يريد أن يرى في الجمهورية اليمنية إلا ساحة للصراع المباشر الهادف إلى
إسقاط أنظمة عربية ودعم أنظمة إقليمية أخرى. .
ورغم أن الأنظمة المستهدفة تعرف
هذه الحقيقة إلا أنها لا تتخذ الإجراءات المناسبة؛ وهي، وبدل دعم اليمن ومساعدته
اقتصاديا وفتح المجال أمام فائضه من العمالة ودعم نظامه الوطني ماديا ومعنويا،
تحاول القفز على الواقع والحقيقة بالتحالف مع الدول البعيدة، جغرافيا وعقائديا،
والتي لا يهمها في الأخير إلا أن تخدم مصالحها وأهدافها الاستراتيجية القابلة
للتغير والتكيّف حسب مستنجدات الظرف الإقليمي.
هنا، يحق للشعب العربي، من المحيط
إلى الخليج، أن ينطلق في مسيرة تضامن وتأييد لدعوة الرئيس علي عبد الله صالح بتحقيق
مشروع الاتحاد العربي، الكفيل لوحده بحماية الأنظمة القائمة، وبترسيخ سياسة قومية
واحدة وبالتخطيط لاستراتيجية عربية قادرة على حماية حصون الأمة، وأولها الحصن
اليمني المستهدف من قبل كل من لا يريدون خيرا للعرب.
وإذا كانت قمة سبتمبر
القادم بالجماهيرية العظمى مهيأة للإعلان عن قيام الاتحاد العربي الذي دعا إليه
الرئيس علي عبد الله صالح، فإنها مطالبة بإقرار خطة عمل عربية شاملة لدعم التنمية
في اليمن عبر الاستثمار المباشر وتمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة
من الإمكانيات الكبرى المتوفرة لدى شعب اليمن وفي أرض اليمن.
ولا شك أن القائد
معمر القذافي الذي كان من أول المناضلين من أجل الوحدة اليمنية والساعين إلى
تحقيقها والمدافعين عنها، والفخور دائما بأن جذور العرب والبربر تعود جميعها إلى
جنوب الجزيرة العربية، قادر على طرح المسألة بأكثر عمق، وهو المعروف بخبرته
السياسية ووعيه الاستراتيجي والاستشرافي للأحداث. .
العرب
أونلاين
فعل الرئيس اليمني بدعوته الى المصالحة الوطنية في الذكرى العشرين لتوحيد شطري
البلاد، وتشجيعه أحزاب المعارضة كافة على المشاركة في حكومة وحدة، وإصداره عفواً
غير متوقع عن معتقلي حركتي التمرد في الشمال والجنوب على رغم التفاوت الكبير بين
«الحوثيين» و «الحراك الجنوبي» إن لجهة العلاقة بأطراف خارجية او حجم التسلح ومدى
الأعمال العسكرية ضد قوات الجيش والشرطة ودول الجوار.
لكن هل تخرج مبادرته هذه المرة عن اطار المصالحات على الطريقة
العربية وتشكل منطلقاً لوضع حلول لمشكلات اليمن المتفاقمة وضمان عدم
تكرار الأزمات والحروب الداخلية والخارجية؟ في التصنيف الاميركي ل «الدول
الفاشلة»، ارتقى اليمن خلال العام الفائت ثلاث درجات وبات الثامن عشر بين الدول
العشرين الاولى على اللائحة التي يتصدرها دولياً وعربياً الصومال المجاور ويحل
السودان فيها ثالثاً.
ويعتبر التصنيف ان تعريف «الدولة الفاشلة» او
«المرشحة للفشل» على رغم عموميته ينطبق الى حد كبير على الأوضاع اليمنية، حيث
«تتجمع نذر عاصفة» يغذيها نضوب مخزون النفط والمياه، وتراجع العائدات، وتعثر برامج
التنمية المتوازنة، وتدفق اللاجئين من الخارج وبعضهم على علاقة بتنظيم «القاعدة»،
وتكاثر حالات النزوح الداخلي، وقبول الحكومة للأمن بالتراضي في مناطق صعدة وجوارها،
وعجزها عن ضمان الأمن في الجنوب حيث تزداد التحركات الانفصالية ويتسع
تأييدها.
لا بد من ان قيادات المعارضة سمعت من قبل خطابات تصالحية مماثلة للرئيس
علي صالح، وسبق لها ان دخلت معه في حكومات ائتلافية لم تعمر طويلاً، لكنها المرة
الأولى التي تواجه فيها البلاد سلسلة ازمات متزامنة تهدد استقرارها ووحدتها، وتحدق
بها أخطار تستدعي التزاماً جدياً من مختلف الاطراف بالسعي الى
انقاذها.
وبالتأكيد يحق للمعارضة ان تسأل عما آلت اليه الاوضاع بعد عقدين على
الوحدة، ولماذا فشل الحكم في طمأنة مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية، وبالتأكيد
ايضاً يسهل العثور على اجابات وتوجيه اصابع الاتهام بالمسؤولية الى هذا الطرف او
ذاك.
لكن الوضع يتطلب ان يبادر كل طرف سياسي الى التقاط اي فرصة متاحة اذا كان
هدفه فعلاً ابعاد بلده عن «شفير الهاوية»، وهو العنوان الذي اختاره «معهد بروكينغز»
الاميركي عنواناًَ لندوة عن اليمن عقدت اخيراً في الدوحة.
الاحزاب اليمنية اصدرت
بيانات لمناسبة ذكرى الوحدة تحدثت جميعها عن الظروف السياسية والاقتصادية الحرجة
وعن حال التأزم والاحتقان شمالاً وجنوباً، والهدنة الهشة مع مسلحي عبدالملك الحوثي،
والانفلات المتزايد في مناطق الجنوب، والارتفاع الكبير في كلفة المعيشة، وانعدام
التوازن الاجتماعي والاقتصادي بين سائر المحافظات، والتهرب من الوعود الانتخابية،
وسواها الكثير. . .
وباستثناء اتهام الحكم بأنه وراء كل المصائب، ورفع شعارات عامة
تصلح لكل زمان ومكان، لم يضع اي من هذه البيانات اصبعه على الجرح ولم يقل ما هي
الحلول التي يقترحها.
ولهذا فإن الدعوة التي اطلقها علي صالح الى الحوار غير
المشروط الذي يجب ان يفضي الى حكومة وحدة وطنية، تبدو في ظل هذه الخريطة خطوة
متقدمة ويداً ممدودة يجب ان تقابل برد ايجابي من مختلف الاطراف، لا سيما ان الحكم
في اليمن لا يزال يتمتع بدعم عربي ودولي واسع، وخصوصاً من جانب دول الخليج العربية
التي تشعر اكثر من غيرها بخطورة انزلاق جارها الى متاهات التقسيم.
* نقلا عن
"الحياة" اللندنية الحبيب الأسود في احتفال اليمن بالعيد العشرين لإعلان الوحدة، ما
يدعو جميع العرب إلى النظر بعمق إلى واقعهم، فهم منقسمون ومشتتون وضائعون في مهب
رياح التحولات الدولية، وهم يعانون من الأمية والبطالة والفقر وغياب العدالة
الاجتماعية، ومن التبعية للقوى العظمى، ومن الخضوع للواقع الجديد الناتج عن ظهور
بوادر الفتنة المذهبية والطائفية بسبب التدخل الإيراني والتمدّد الشيعي في ظل
انهيار نظرية التوازن الاستراتيجي مع الجار الفارسي بعد احتلال العراق.
ومن يعمل
على استقراء الواقع العربي، يلاحظ أن البعض يحاول أن يجعل من اليمن مخبرا لكل
سلبيات الأمة، ففي اليمن خلايا إرهابية، وفي اليمن تحرك طائفي، وفي اليمن حراك
انفصالي، وفي اليمن ظروف اجتماعية صعبة، وكل ذلك ناتج عن أوضاع إقليمية وقومية
ودولية ليس لشعب اليمن ولا لقيادته دور في تكريسها، وإنما كتب على اليمنيين تحمل
نتائجها في غياب النظرة المتبصرة من قبل الأشقاء. .
خلال قمة سرت الماضية، تحدث
الرئيس المناضل علي عبد الله صالح عن الإعلام العربي الذي يعمل على تأجيج الواقع في
بلاده، وعلى تشويه صورة اليمن، وكاد يوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى فضائيات عربية
بعينها تتحكم فيها إرادة أقطار خليجية من المفترض أن تكون مع الشعب اليمني لا
عليه. .
ولسائل أن يسأل هنا: ما الذي ستجنيه قناة مثل "الجزيرة" من الدفع إلى
إحداث الفوضى في اليمن؟ والجواب واضح، وهو أن "الجزيرة" تنتمي إلى حلف عقائدي
وسياسي لا يريد أن يرى في الجمهورية اليمنية إلا ساحة للصراع المباشر الهادف إلى
إسقاط أنظمة عربية ودعم أنظمة إقليمية أخرى. .
ورغم أن الأنظمة المستهدفة تعرف
هذه الحقيقة إلا أنها لا تتخذ الإجراءات المناسبة؛ وهي، وبدل دعم اليمن ومساعدته
اقتصاديا وفتح المجال أمام فائضه من العمالة ودعم نظامه الوطني ماديا ومعنويا،
تحاول القفز على الواقع والحقيقة بالتحالف مع الدول البعيدة، جغرافيا وعقائديا،
والتي لا يهمها في الأخير إلا أن تخدم مصالحها وأهدافها الاستراتيجية القابلة
للتغير والتكيّف حسب مستنجدات الظرف الإقليمي.
هنا، يحق للشعب العربي، من المحيط
إلى الخليج، أن ينطلق في مسيرة تضامن وتأييد لدعوة الرئيس علي عبد الله صالح بتحقيق
مشروع الاتحاد العربي، الكفيل لوحده بحماية الأنظمة القائمة، وبترسيخ سياسة قومية
واحدة وبالتخطيط لاستراتيجية عربية قادرة على حماية حصون الأمة، وأولها الحصن
اليمني المستهدف من قبل كل من لا يريدون خيرا للعرب.
وإذا كانت قمة سبتمبر
القادم بالجماهيرية العظمى مهيأة للإعلان عن قيام الاتحاد العربي الذي دعا إليه
الرئيس علي عبد الله صالح، فإنها مطالبة بإقرار خطة عمل عربية شاملة لدعم التنمية
في اليمن عبر الاستثمار المباشر وتمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة
من الإمكانيات الكبرى المتوفرة لدى شعب اليمن وفي أرض اليمن.
ولا شك أن القائد
معمر القذافي الذي كان من أول المناضلين من أجل الوحدة اليمنية والساعين إلى
تحقيقها والمدافعين عنها، والفخور دائما بأن جذور العرب والبربر تعود جميعها إلى
جنوب الجزيرة العربية، قادر على طرح المسألة بأكثر عمق، وهو المعروف بخبرته
السياسية ووعيه الاستراتيجي والاستشرافي للأحداث. .
العرب
أونلاين